على الرغم من أن المرأة أقل إجراما من الرجل، إلا أن المجتمع يعاقبها بشكل أكثر قسوة، وذلك استجابة لثقافة التمييز والتفرقة بين الرجل والمرأة حتى في الجريمة. ويدعم ذلك ما ذكره اللواء علي الحارثي مدير عام السجون "أنه يتم استئجار مبان للسجينات اللاتي ينهين مدة محكوميتهن ولا يخرجن من السجن لممارسة حياتهن بشكل طبيعي، بسبب رفض الأهل عودة السجينة إلى الأسرة، وذكر أنه في بعض الحالات يصل الأمر إلى القتل، وهي حالات نادرة ولكنها موجودة". ندرة هذه الحالات وقلتها لا يعني إهمالها وعدم الحديث عنها ومحاولة فهمها وتفسيرها، فالذين يرفضون بناتهم وقريباتهم المفرج عنهن من السجن، هم أنفسهم الذين يقيمون الولائم والاحتفالات لأولادهم وأقاربهم المفرج عنهم من الرجال، بعض الآباء يرفض خروج ابنته من السجن وفي المقابل تجده يطرق كل السبل لإخراج ابنه المسجون، أو أحد أقاربه الذكور، وفي نفس الوقت يرى أن هذا السجن يجب أن يكون مقرا دائما للمرأة المرتكبة لذات الجرم.

المتأمل لحال بعض السجينات، يلاحظ أنه ما إن تنتهي عقوبة الجريمة، حتى تبدأ عقوبة بلا جريمة، قد تكون أشد وأطول وأكثر قسوة على المرأة، وتتمثل في رفض عودة السجينة إلى أسرتها، وعدم المبالاة بما يحصل لها، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى القتل.

رفض السجينة بهذه الطريقة يعكس شعورا متجذرا لدى البعض بعدم التسامح مع الأنثى، ومعاقبتها عند أول خطأ، وقد يكون مصدر ذلك هو نظرة الجاهلية، التي ما يزال بعض رواسبها عالقا في أذهان البعض منا، ويبدو أنها جزء من اللاشعور الذي يحكم تصرفاتنا دون أن نعلم. هذه النظرة مثقلة بوصمة العار، وارتباطه بالمرأة في مقابل ارتباط الشرف بالرجل، ولذلك فإن الرجل ملزم بقتل المرأة حفاظا على شرفه هو، وليس حفاظا على شرف المرأة، وإن كان ذلك كله جهلا.

الحساسية البالغة في هذه القضية لا تقتصر على المرأة المجرمة، وإنما تمتد لتشمل بعض النساء لمجرد الشبهة أو الاتهام، ولهذا السبب فإنه يجب على جهات الضبط مراعاة هذه الحساسية المفرطة في هذا الجانب، والأخذ في الاعتبار أن المجتمع يحاكم المرأة على مجرد الشك، ويحكم عليها بالإعدام قبل التأكد من ثبوت الجريمة، ولذلك ينبغي عدم التعجل في توجيه التهمة للمرأة، والاتصال بوالدها أو إخوتها على اعتبار أن ذلك من الستر؛ لأنه يكون له ردود أفعال غير عقلانية، وجميعنا ما نزال نتذكر القصة المفجعة، والتي انتهت بقتل فتاتين عند بوابة دار الفتيات في مدينة الرياض.

البعض يعتقد أن المرأة حتى لو كانت بريئة، فهي في منزلة أقل حتى من الرجل المجرم، فيمكن تزويج المجرم بامرأة شريفة لعله يستقيم، ويقبل منه أن يظهر التوبة والالتزام، ويمسح بذلك ماضيه الإجرامي، بينما لا يقبل من المرأة ذلك، وما يزال عالقا في ذاكرتي أحد الرجال، ظهر في قناة تلفزيونية، وعرض تقديم ابنته للزواج من رجل آخر في سبيل إقناعه للتنازل عن مطالبته بحقه الشرعي بقتل أحد المجرمين. فالمرأة التي يتم إسقاطها من قاموس الإنسانية بهذا الأسلوب القبيح لتنضم إلى منظومة الهدايا الثمينة، ويتم تقديمها من قبل والدها هدية رخيصة لرجل مسن من أجل إنقاذ رجل مذنب؛ من الطبيعي أن يتم الحكم عليها بالإعدام عندما ترتكب جريمة أو حتى تتعرض لاتهام.

وقد يكون ذلك بسبب نقص في العلم الشرعي، والخضوع لسلطان الأعراف والتقاليد، والخوف من سياط النقد الاجتماعي، أكثر من الخوف من الله سبحانه وتعالى، وعدم تذكر قوله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" (النساء 48)، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقبل توبة الرجل والمرأة دون تفريق، فما بالنا نتجاوز ما يأمرنا به ديننا، ونفرق بينهما حتى في التوبة.

تخفيف اعتمادية المرأة على الرجل، وإيجاد فرص عمل متعددة للمرأة بشكل عام، ولهذا النوع من النساء بشكل خاص، وتسجيلهن في الضمان الاجتماعي، مع إعطاء أولوية في التوظيف المناسب، وتدريبهن على الاعتماد على النفس، وإعطائهن أولوية في وزارة الإسكان للحصول على منزل. حلول يجب الأخذ بها على الفور؛ من أجل تمكين المرأة من العيش بمفردها دون حاجة لأحد.

جرائم الشرف تحدث عندما يكون الشخص في صراع داخلي، ويتعرض لضغط ذاتي يدفعه نحو الخضوع لمعايير المجتمع، حتى لو لم يكن مقتنعا بما يفعل، ولذلك تجده يتجه للطرف الأضعف، وهو المرأة، ويجد في قتلها مخرجا من هذا الصراع. هذا النوع من جرائم الشرف يحدث في المجتمعات العربية، وغالبا ما يكون القاضي والخصم والحكم هو الرجل، فهو الذي يصدر الحكم وينفذه، ورغم ذلك تتسامح المجتمعات مع هذا النوع من الجرائم، وفي الكثير من الأحيان لا يتم القصاص من الرجل الذي يرتكب هذا الفعل، ويبقى السؤال المهم: هل من يقومون بجرائم الشرف هم من الرجال الشرفاء، الذين سجلهم خالٍ من تدنيس الشرف وخوارم المروءة؟

لا أحد يعرف الإجابة، ولكنها تفتح بابا واسعا لدراسة وتحليل هذا النوع من السلوك البشري.