غلاة الفرانكوفونيين من اللبنانيين، يتحدثون العربية بلهجة لبنانية ولكنة فرنسية، وهنا أجدهم يختلفون عن الفرانكوفونيين المغاربة، ولكنهم مع ذلك يبدون غير مفهومين كثيرا في المشرق.

حين يتحدث مغربيان بعامية محضة، لا يمكنك أن تصدق لوهلة أنهما يتحدثان بالعربية، وكذا يمكن أن تنسحب الحال على سودانيين، أو حتى داخل البلاد الواحدة، يمكن أن يحدث هذا، وهنا كم أتذكر أيام الحياة الكشفية، عندما يحكي حجازيان وينصت لهما آخر من الأحساء، أو يتحدث جنوبيان ويصغي لحدثيهما آخر من رفحاء مثلا.

بالعودة إلى المغاربة، تبدو المذيعة التونسية في مونت كارلو عبير نصراوي، جذابة وهي تشدد على التحدث بلهجتها التونسية، التي تشتهر منها عربيا مفردة "يعيشك". المشرق كما أسلفت ربما يعاني صعوبة في تقبل أو التعاطي مع اللهجات المغاربية، التي تبدو التونسية الأوضح منها، وإن كان البعض يرى أن أهل مكة ربما لا يجدون صعوبة في التفريق بين اللهجات المغاربية، وفهمها، بسبب عامل الحج الذي يكفل تواصلا مع سائر اللهجات واللغات والثقافات.

عبير النصراوي الحاصلة على إجازة العلوم الموسيقية من الجامعة التونسية وعلى شهادة الدراسات المعمقة في علم موسيقى الشعوب من جامعة السوربون وعلى إجازة في علم الاجتماع من جامعة باريس الثامنة، تنتمي إلى تلك النوعية من المذيعين الذين تحملهم للتألق ثقافتهم ووعيهم، وتعاطيهم التلقائي والسلس مع المايك، فيغدو العالم أقل قبحا وأنت تستمع إليها مذ التحقت بإذاعة مونت كارلو عام 2005 وقدمت العديد من البرامج الموسيقية مثل "العالم موسيقى" و"نغم وذكرى" و"غنّي لي" و"أنوار"، حتى البرنامج الثقيل الظل – عندي - "توب 10" أو ما يسمى سباق الأغنية العربية، تتقبله من النصراوي، لأنها لا تقارب السماجة والاستخفاف وهي تؤدي دورها الإذاعي بحرفية وثقة، مما يجعلك تعشق أكثر اللهجة التونسية، حد الإيمان بأنه لا توجد لغة أفضل، ولا لهجة أجمل، بل دائما هناك أداء جميل فقط.

جالت في نفسي هذه الخواطر وأنا أباغت بين حين وآخر بأسئلة غير منطقية تتساءل عن اللهجة الأجمل، دون أن أقبض على معايير تؤطر هذا الجمال!

بتعدد اللهجات في اللغة العربية، وتنوعها على مستوى البلدان والأقاليم والمدن، تكتسب اللغة ثراء أدائيا مبهرا، نخسر كثيرا إن حصرناه في لهجتين أو ثلاث هي الأكثر انتشارا وهيمنة في العالم العربي بسطوة الميديا.

وتبقى سطوة اللهجات مبحثا يظل جميلا إذا ما تصدى له باحثون حقيقيون، تحلوا بالموضوعية، وتجردوا من العاطفة والانحياز للكشف عن أشياء كثيرة مما يختبئ من أسرار اللغة، ومعرفة مدى كفاءتها على الاستمرار حية، مخضرة، لا يصيبها نصب ولا قنوط.

بئست اللغة حين تبقى قانطة.