وكأن العقول نضبت عن ابتكار برامج مسابقات جديدة، وكأن العالم العربي يكاد يفرغ من أصوات المطربين، وكأن المواطن لا يحمل هما سوى النوتة والسلم الموسيقي، وكأن الذائقة الفنية وصلت ذروتها وكان على الفنانين القدامى التدخل للمحافظة عليها باختيار من يستحق أن يكون فنانا.
المطرب سابقا كان دائما ما يردد "لقد نحت الصخر حتى وصلت إلى ما أنا عليه الآن"، اليوم سيكتفي المطرب الشاب حين يسأل عن جماهيريته الطاغية وحضوره المتوهج: كيف كانت البدايات، ليقول: نعم لقد شاركت في مسابقة وصوتوا لي، شكرا كثيرا.
أحيانا أجد ما يبرر هذه الحالة، فنحن اليوم في زمن "التيك أوي"، ولم يعد لدى المتلقي الوقت لانتظار ولادة نجم، سيقبل المطرب "سين" في هذا العام، ثم يرميه ويقبل زميله "عين" في العام المقبل، وهكذا دواليك، إنه زمن "النجم المصنوع" قصير الصلاحية.
الموهبة قد لا تكون مطلوبة في النجم القادم بـ"فعل فاعل مفعول به"، يكفي أن يكون وسيما أو خفيف دم، أو ينتمي إلى دولة يتميز مواطنوها بحمل 3 جوالات في اليد الواحدة، حتى يصبح نجما، هو في الحقيقة نجم بلد وليس نجم غناء.
ويعطي البث المباشر للمسابقات أو المراحل النهائية منها، شيئا من الإثارة، ويروج لتفاعليتها، لكن المشكلة أن النجم الذي يجلس مع لجنة الحكم، أصبح أهم من النجم المتسابق، ومطلوب منه أن يمارس كل انفعالاته وطقوسه في الضحك والبكاء و"الاستهبال" حتى ينجح في أداء المهمة.
ليس صحيحا أن المسابقات غير الفنية لا تجذب الجماهير، هذا برنامج "من سيربح المليون" ضرب ضربة المعلم ومضى، لكن الإشكالية لا تبدو في نوع المسابقة، إنها في: من سيأتي بالمسابقة؟ فعادتنا أن ننتظر ما يبتكره "الخواجات" وكل ما علينا أن نشتري الحقوق، ونعربه، ثم ننطلق نتسابق ونصنع النجوم.