بداية أفتتح مقالي بنقطة إعجاب وتقدير بشأن تصريح وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور "يوسف العثيمين" لصحيفة "الوطن"، وإقراره بتسجيل تجاوزات وأخطاء في دار الأيتام بمنطقة جازان، وإرفاقه لعبارة "رحم الله من أهدى إليّ عيوبي".. وهي في واقعها خطوة حضارية قلما نشهدها تصدر من المسؤولين المباشرين في الأجهزة الحكومية. فعلى سبيل المثال، هل سمعتم أحدا من المسؤولين في الأجهزة المعنية اعترف بالتقصير والإهمال في حادثة حفل عين دار أو انفجار شاحنة غاز الرياض؟ أنا شخصيا لم أسمع مثل هذا الاعتراف إلا في الدول المتقدمة، حيث إنه إذا حصل خلل أو خطأ في أداء أي مؤسسة أو جهاز فإن صاحب القرار هناك يعلن تحمله للمسؤولية، ويقدم اعتذاره.

كان بودي أن يتعلم المشرفون على دار الأيتام بمنطقة جازان هذا السلوك الحضاري، فذلك أفضل من التورط في تصريحات غريبة لا يمكن أن تستوعبها العقول، كالتصريحات المحزنة والمضحكة التي تُلقي باللائمة على الأيتام أنفسهم وأنهم تعمدوا اختلاق مشاكل لا وجود لها! وكأن هناك مؤامرة خفية تُحاك من قبل الأيتام! إنني أعتقد أن القضية المطروحة عندما تصبح قضية رأي عام تتناقلها مواقع وسائل الإعلام المختلفة، ويتحدث عنها عموم الكُتاب والإعلاميين فلا بد للجهة المسؤولة أن تتعامل بشكل سريع وشفاف وتشرح كل تفاصيل الخلل حتى تكسب احترام الناس، وخصوصا أنه ليس هناك أي عمل بمنأى عن الأخطاء، ومن الخطورة بمكان أن يجلس على كرسي المسؤولية من يمتلك رصانة التبرير وبراعة التمويه، لتكون النتيجة الاستمرار في سيناريو الأخطاء المتكررة.

ثانيا، أسجل إعجابي بهيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لتفاعلهم مع ما نُشر بشأن دار الأيتام بمنطقة جازان، وتأكيدهم على أهمية دور وسائل الإعلام في المساهمة في كشف وتصحيح العديد من الأوضاع التي تمس أفراد المجتمع، وأن الإعلام هو أداة رئيسة لرصد وتوثيق الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان، مؤكدين أن أبواب الهيئة والجمعية مفتوحة لمختلف الوسائل الإعلامية، فهم أجمعوا على وجود عدة انتهاكات في الدار كالقصور في تقديم الخدمات والرعاية، ومعاناة نزلاء الدار من سوء التغذية، ونقص الاهتمام من قبل بعض القائمين على رعايتهم، وعدم مناسبة الأثاث والبيئة المحيطة بمقر سكنهم، وما تم رصده من وجود مقر لصالة رياضية ما زالت منذ سنوات دون تشغيل.

وعن تهديد الأيتام بالنقل خارج منطقة جازان بحجة عدم توفر مبنى خاص بهم ذكر عضو الهيئة بمنطقة عسير الدكتور اليامي أن "الهيئة ترفض تهديد الأيتام بالنقل، وهو أمر لا يمكن قبوله"، وشددت الجمعية على المطالبة الملحة بإيجاد كوادر قيادية مختارة بعناية ومؤهلة للتعامل الإنساني مع هذه الفئة بما يضمن حمايتها وعدم انتهاك حقوقها، ليس هذا فحسب، بل علينا إعادة النظر في بعض أنظمة هذه الدور، مثل:

- المادة التي تنص على إخراج اليتيم من الدار متى بلغ الثامنة عشرة، بصرف النظر عن الحال التي هو عليها، فمنهم من لم يتجاوز في تعليمه المرحلة الابتدائية أو المتوسطة، فيخرج ذلك اليتيم إلى المجتمع وقد يكون يعاني من أمراض نفسية، فيصير فريسة سهلة الاصطياد لأولئك الباحثين عن عملاء للمخدرات أوالسرقة أو الإرهاب.

- ما يرتبط باليتيمة المطلقة التي لديها أولاد ذكور؛ إذ يُنتزعون من حضنها عند بلوغهم سن السابعة لينطلقوا بهم إلى دور خاصة بالذكور فقط، ممّا يجعل اليتيمة المطلقة لا تعود إلى الدار التي تربت فيها، وتعيش هائمة في الشوارع حاملة أطفالها، وقد تقع في الخطيئة للحصول على لقمة عيش لها ولأطفالها.

أخيرا أقول إن اليتيم هو وجع البشرية على الأرض، ولتخفيف هذا الوجع الإنساني الذي ينتشر في المجتمع، له كل الحق لكي ينظر إليه كإنسان يحتاج إلى رعاية من هذا المجتمع، وهو حق أنساني وديني وأخلاقي.