عندما نظمت الملحقية الثقافية السعودية في ماليزيا وضمن نشاطها الثقافي لهذا العام ندوة "اللغة العربية في ماليزيا.. التاريخ، الحاضر والمستقبل" في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، انطلقت هنا لعدة منعطفات لم تغطها الصحف، سوى خبرٍ بمهنيةٍ تقتضيها الصحافة، فآثرت أن يكون مقالي توصيفاً في نقاط؛ وفاءً للغتنا السرمدية وشدهاً بحماس الماليزيين نحوها، وعلاقة يحفها الحب والألم معاً!
• كانت الندوة عن العربيّة ولكن بمشاركة ماليزيّة فقد كان جميع المتحدثين متخصصين ماليزيين بلسان عربي، فكان التناغم والانصهار الثقافي والمعرفي موجوداً، وإيماناً بأن هذه الندوة هي الانطلاقة لخدمة اللغة العربية في بلد يستحق كماليزيا وأهلها.
• جميع المشاركين كانوا يبدؤون حديثهم بشكر المملكة على تبني أول (منشط) يهتم بلغة القرآن الكريم وخدمة العربية في ماليزيا، وكأن حالهم يقول: أنتم مقصرون نحونا ونحو لغتكم!
• يبهرك الحضور المنظم والكثيف من مسؤولي الجامعة الإسلامية العالمية وأساتذتها وطلبتها الماليزيين أو الدارسين فيها من دول أفريقيا لتكتشف أن هذه الدول متعطشة للغة القرآن، وغياب واضح من الطلاب العرب كمؤشرٍ آخر على مكانة العربية لدينا!
• لم يبهرني في إدارة ندوة قط، مثل رئيس قسم اللغة العربية في الجامعة العالمية الإسلامية الأستاذ الدكتور مجدي حاج إبراهيم بسيرته الذاتية – تبارك الله – لتتلعثم عندما تتناولها وأنت تقدم شاباً لم يتجاوز الخمسين ذا تجارب بديعة في التحرير والتدريب والنشر الذي تجاوز 15 بحثاً، ومن التأليف 11 كتاباً تتنقل بين اللغة والأدب والنقد والترجمة، ومشاركةً بـ22 مقالاً محكماً في مجلات علمية، و17 مؤتمراً علمياً على مستوى العالم، وبرنامجا إذاعيا أشهر على مستوى ماليزيا (هيا بالعربية).
• أن اختلاف العلماء والباحثين من مختلف مجالات اللغة والتاريخ والآثار والأجناس البشرية.. في نشأة اللغة العربية، فيه جدلٌ كبير، وامتد الجدل ليعيد نفسه في تأريخ نشأة العربية كذلك في ماليزيا، فاختلف العلماء في نشأتها بين القرن السابع، والثاني عشر، والسابع عشر.
• قصة العربية في ماليزيا كماليزيا نفسها، وثابة متدرجة في تنميتها حتى على مستوى تعليم العربية، لنجد التدرج حاضراً لمواكبة حركة التجديد والتطوير فبدأت من عصر الكُتّاب إلى مئات المدارس وسبع جامعات تدرسها رسمياً.
• عميد شؤون الطلاب الدكتور أكمل خزيري، رأى أن معوقات نشر اللغة العربية بسبب غياب البيئة التعليمية، وتقصير الدول العربية في محدودية نشرها، وقلة المهن التي تستقطب خريجيها لعدم حاجة سوق العمل لهم.. واتفق معه أستاذ العربية بالجامعة الدكتور محمد فيهام غالب، بتأكيده على أن العربية في ماليزيا بحاجة ماسة لدعم الدول العربية، كتأسيس مراكز للبحث العلمي تضم مختصين من جميع الدول لمنع تشتت الجهود، وبالتبادل الثقافي بين الطلبة والأساتذة العرب مع الماليزيين، وأن الأمل في دعم الدول العربية بتمويل مشاريع العربية في ماليزيا ودعم مناهجها ونشر المسابقات والندوات والمعاهد والمعامل التي تدعو المجتمع الماليزي إلى تعلم العربية..
• الأنموذج المشرف للمبتعث السعودي ماجد الماجد، طالب الدكتوراه في جامعة مالايا الماليزية (UM) كانت له تجربة جميلة لخدمة لغتنا، فكان يُعلّم العربية لغير الناطقين بها في جامعته، وكانت مداخلته الأبرز وصفق لها الجميع عندما اقترح دراسة اللغة العربية للماليزيين عبر الإقامة في منازل العرب بضوابط معينة ومحاكاة لتجربة (Home Stay) في تعلم الإنجليزية.
• يدهشك حماس طالب الدراسات العليا حبيب الله من دولة غانا – صاحب جهود إنشاء رابطة اللغة العربية لدول أفريقيا مع زملائه من طلاب الجامعة الإسلامية العالمية -عندما تحدث (بحرقة) عن عدم وجود مرجعية واضحة للغة العربية وأنها عائمة.. وختم برجاء حار ألا تُدفن العربية مع الزمن في ظل المتغيرات.
• تقصير (العرب) تجاه لغتهم يعتبر من أهم التحديات التي تواجه نشر لغة القرآن في ماليزيا، إذ لا يوجد أي مركز ثقافي يتبع لأي سفارة من الدول العربية يهتم بنشر العربية رغم شغف الماليزيين نحوها، وأغلب الجهود العربية الموجودة فردية من بعض الأشخاص الذين عملوا أو أقاموا في ماليزيا.
• ولعلي أضيف هنا، أن الأمة الإسلامية دأبت قديماً حرصاً على نشر اللغة وتعليمها لكل الأجناس والأقطار، واليوم نجد قصوراً واضحاً من الدول العربية وجامعاتها ومنظماتها الرسمية ومجامعها.. نحو تعليم ونشر العربية الذي لا يواكب جزءاً من الرغبة (الملحة) في تعلم اللغة من قبل الدول الإسلامية، فأين نحن من تجارب إحياء اللغة المرتبطة بالهوية وإلهام القوة منها في العصر الحديث، كالفرنسية عن طريق المؤسسة الفرانكفونية، والعِبريَّة الحديثة.
• آخر منعطف، شكرُ معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري المشرف العام على مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، إنصافاً ووفاءً، فعندما قدمت له مشروعاً عن الاهتمام باللغة العربية في ماليزيا تحمس له وشكر المبادرة وقام بالتوجيه المباشر عليه، ولم يمر يومان وإذا بالأمين العام للمركز الدكتور عبدالله الوشمي يتواصل باحترافية الأدباء رسمياً مع الملحق الثقافي في ماليزيا الدكتور عبدالرحمن فصيل للبدء في دراسة المشروع ودعمه، فكانت جهود معالي المشرف العام على مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، والأمين العام، والملحق الثقافي، ومسؤولي الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا داعمةً تكاملية لقطف أولى ثمار دعم لغتنا العربية في ماليزيا، لتكون هذه المبادرة انطلاقة وواجبا نحو لغتنا، لن نتوقف عنه بإذن الله.