مبدأ الشراكة مبدأٌ قديم قدم الإنسان ذاته. واختلاف الشركاء أمرٌ ملازم لهذا المبدأ منذ بدأ، وأكاد أجزم أن مبدأ الشراكة يمتد إلى بداية الخلق حين خلق الله سبحانه وتعالى آدم ثم أشرك معه في أمر هذا الوجود حواء، ليكون نواة البدء والانطلاق في هذا العالم، وأمر الخلاف مرتبط بتلك الشراكة حين أغرتهما الشجرة وأكلا منها.

وهو ممتد لأبنائهما حين اختلف أبناء آدم وحواء، فقتل أحدهما الآخر، وكان محل الخلاف هو الشراكة ليس بالضرورة شراكة المال وإنما الشراكة في الأمر.

وكنت أظن أن الشراكة مركّزة في الأموال فقط. ولكن ها نحن نقف مع آيات أخرى في كتاب الله لموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يدعو ربه: (قال ربّ اشْرحْ لي صدْري، ويسّرْ لي أمْري، واحْللْ عقْدةً منْ لساني، يفْقهوا قوْلي، واجْعلْ لي وزيرًا منْ أهْلي، هارون أخي، اشْددْ به أزْري، وأشْركْه في أمْري) طه (30)

حتى في النبوة كان هنالك اختلاف. فما أن ذهب موسى لميقات ربه حتى عبد بنو إسرائيل العجل وعاد موسى ليعاتب هارون أخاه فيما حصل ويأخذ بلحيته وبرأسه.

ولهذا فحين أتحدث إلى الشركاء عن احتمال الخلاف، وأنهم حين يبدأون أي شراكة بينهم لا بد أن يبدأوها، وقد أخذوا الخلاف بعين الاعتبار، وصاغوا احتمالاته، وحاولوا حله قبل قيامه.

لست أنظر إلى ذلك بنظرة القانوني الحذر، ولا المستثمر المتشائم، وإنما أنظر إليه بنظرة الواقع واحتمال الصواب والخطأ، وتغير القلوب والطباع، والتوجهات وتباينها، واحتمال نمو التجارة والأموال. فتبدأ المشاحة بين النفوس واحتمال استمرار الشراكة أمداً طويلا. بحيث يدخل فيها أشخاصٌ هم امتداد لأصل الشراكة وجذرها. أعني بذلك الجيل الثاني والجيل الثالث في الشراكات.

إذن الشراكة هي نتيجة طبيعية لتباين قدرات الناس ورغبتهم في أداء مهمتهم ورسالتهم بالشكل الأمثل.

فكما أن موسى طلب من ربه أن يشرك معه أخاه هارون في النبوة ليعينه، فإننا في عالم الأعمال والتجارة، نجد عادة في أول المشاريع توجهاً من أصحابها أو من مؤسسيها للبحث عن الشركاء الذين يتمون ما نقص منهم. سواء في جانب التمويل أو في جانب القدرات والمهارات والإدارة.

وهذا السعي الحثيث من المستثمرين في البحث عن شركاء يكملون ما نقص منهم ويتمونه لإنشاء أو تكوين مشروعهم، يصحبه في كثيرٍ من الأحيان غض الطرف عن كثير من مكامن الخلاف التي قد يراها أو لا يراها الشركاء عند دعوتهم للشراكة ابتداء.

وبعد البدء في المشروع تكون مكامن الخلاف هذه، ككرة الثلج، تكبر وتنمو وتتدحرج مع نجاحات المشروع ومع إتيانه لثمرته على مرّ السنين. وليس بخاف عنا ما مر على كثير من الشركات العائلية - هنا في المملكة - من خلافات أدت إلى تفككها وإلى إعادة ذلك المجد الذي حققته الشراكة الأولى إلى ما يمكن معه أن نعتبر أنه كأنها لم تكن. وتحللت معه الشركة وانتهى نجاحها وبريقها. والناظر في ذلك الأمر، يجد أن السبب في الغالب إغفال عدد من النقاط التي لا بد لها أن تنشأ في أي شراكة.

أنا لا أدعو إلى أن يكون الحذر والشك دائماً سيدي الموقف عند بدء أي شراكة، وإنما أدعو إلى أن تكون الواقعية وحسن الظن هما الأساس الذي تبنى عليه تلك الشراكات وأن يربط ذلك بقوله الله تعالى: (يا أيّها الّذين آمنواْ إذا تداينتم بديْنٍ إلى أجلٍ مّسمًّى فاكْتبوه) البقرة (282)

هذا في الدين المباشر والبسيط، فما با لنا في باب الشراكة التي أشبهها دوماً بعقد الزواج، حيث يكون الشركاء مختلطين ومندمجين بل وحتى يتجاوزوا عقد الزواج في شأن ذمة المالية المتحدة خصوصاً في عقود التضامن.

إن إغفالنا لهذه الجزئيات هو أساس كثير من الخلافات الجوهرية بين الشركاء. ولهذا فإن من المهم جداً إن غضضنا الطرف عن أهمية وضع التفاصيل المعنية باستحقاقات الشركاء ومعالجة مكامن الخلاف عند البدء، ألا نستمر في إغفال هذا الجانب المهم بعد أن تبدأ الشركة في جني ثمار الشراكة والتطور والنمو.

ومن أهم الآليات في هذا الباب خصوصًا في الشركات العائلية ما يرتبط بوضع الحدود الفاصلة بين الذمة المالية الشخصية للشركاء وبين ذمة الشركة المالية، خصوصاً عندما يكون أحد الشركاء أو بعضهم مرتبطا بالإدارة التنفيذية للشركة أو عند بداية دخول الجيل الثاني والثالث في مرحلة القدرة على القيام بالأدوار القيادية والتنفيذية، ويكون ذلك من خلال آليات مختلفة مثل ما يتعلق بدستور العائلة وكذلك ما يتعلق باتفاقية الشركاء وتفاصيلها.

هاتان الوثيقتان تمثلان في نظري طوق النجاة عند معاينة الغرق – لا قدر الله - لأنهما في الغالب تستشرفان كثيراً من مكامن الخلاف قبل وقوعها، وتقدمان لها الحلول المناسبة عند وقوعها.

ولهذا فإنني أدعو أصحاب الأعمال لتطوير ثقافتهم في هذا الباب وتفعيل هذه الآليات أملاً في امتداد أثرها لأعمالهم.