تتلمس بطنها وبدفء ابتسامة حنان تخمن ما تلمس.. "هذا رأسه، وهذه يده الصغيرة، هذه أصابعه"، تستكشف سقف عالمه الأول والجدار الفاصل عن حضنها، تغمض عينيها وتحلم بـ"ماما.. يمه.. أمي"، وفي بعض اللهجات "ياه".. تحلم به وبكل شيء مقرون بأدوات التفضيل "أحسن.. وأجمل.. وأطيب".. تراه يجري ويركض ويعمل ويتزوج!!

أم أسماء التي عنونت مقالي بها وبأسماء لم تسمح للحظة بأن يتحقق ما قال الطبيب من أن الطفلة التي تحملها في أحشائها لن تسير ولن تركض مثل باقي الأطفال، لم تسمح لأحد أن يقتل فرحتها بأسماء. في الواقع لم يكن هناك وقت للحزن، بل أوقات عديدة للأمل، سرقت أسماء قلوب من حولها لحظة أطلت على الدنيا، وحظيت باتفاق ضمني من أمها أن تكون قدمها التي تسير بها في هذا العالم، ألم يقل ماجد الجارد عندما أهدى روايته "نزل الظلام": "إلى والديّ.. عينايَ التي أبصر بها".

أصوات الحمقى رددت قريباً من سمع أم أسماء "يا له من جهد"، "ولِمَ تتعلم أسماء؟"، وأحيانا "على إيش هذا التعب؟"، لم تُبالِ أم أسماء وهي تحضرها في كل يوم للمدرسة الابتدائية وتغادر معها آخر النهار بكل جمل الأمهات العابرة، وهن يرينها تحمل أسماء لفصلها منذ الصف الأول الابتدائي حتى الصف الأول الثانوي، وهو هذا العام الجميل، في القصة أن أم أسماء تابعت دراستها مع صغيرتها؛ لذا تشرفت بأن أكون معلمة للاثنتين، وأنا فخورة جداً بهذه الأم التي هي أنموذج لأمهات سعوديات يهبننا بصبرهن وجهدهن التميز والتفوق.

لكن، لا يجب أن يقفن وحدهن في وسط هذا البحر، يحملن صغارهن وأحلامهم ليصنعن تفوقهن؛ لأن في ذلك غبناً كبيراً.. تقول لي أم أسماء إنها تقدمت للتأهيل الشامل لطلب سيارة تحمل عربة أسماء للمدرسة، فوالدها شيخ كبير يبذل جهداً عظيماً لإنزال أسماء من سيارته غير المعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، وربما لا يقدر أن يواصل رحلة تعليم أسماء، لكن التأهيل الشامل منذ عامين وهو يردد: هناك من يعانون من حالات أصعب من ذوي الاحتياجات العقلية، وبعد أن ننتهي منهم يأتي دور أسماء.

مر عامان كاملان ولم يصل الدور لأسماء، ومتى سيصل لطالبة تتنقل يومياً ذهاباً وإياباً ووالدها شيخ كبير ومتقاعد؟ أسماء كذلك غير قادرة على حضور حصص العملي؛ لأن مبنى المدرسة لا يوجد فيه مصعد، والمعامل في الدور الثاني والثالث!!

سؤالي: من يشتري خاطر أسماء الذي نشاهده ينكسر كل يوم وزميلاتها يتركنها في الصف للذهاب إلى المعامل؟

ليس بالطبع من نسي عند اختيار تصميم مباني المدارس أن هناك صغاراً يتبارك بهم العالم اسمهم "ذوو الاحتياجات الخاصة".

أم أسماء تريد أن نقف معها جميعاً حتى يبلغ الحلم واقعه.. يا له من طلب صغير من كائن عظيم اسمه أم أسماء.