كنت قد تحدثت في مقالة سابقة عن قرار وزارة العمل فرض رسوم مقدارها 2400 ريال سنويا على منشآت القطاع الخاص التي يزيد فيها عدد العمالة الوافدة عن العمالة الوطنية.. في خطوة لدفع الشركات والمؤسسات إلى أن يكون 50% من القوة العاملة فيها مواطنون. وأبديت بعض الملاحظات حول نتائج القرار وتبعاته وهنا أقدم بديلا أرى أنه سيكون فاعلا لتحقيق الهدف الذي تسعى وزارة العمل على تحقيقه وهو إحلال المواطن محل العامل الأجنبي.. هناك خطوات لا بد منها لتحقيق هذا الهدف وذلك للأسباب الآتية:

أولا: إن إحلال عامل مكان آخر يتطلب وقتا لتدريبه وتطويره للوظيفة التي سيحل عليها.

ثانيا: لو افترضنا تدريب الموظفين الجدد فإننا بدون دراسة لسوق العمل لمعرفة المجالات الموجودة فيه بشكل علمي لا نضمن تدريب الباحثين عن وظائف على المجالات الموجودة فيه وسيكون التدريب عاما وعشوائيا ومن قبيل المسكنات التي تخفف الألم ولا تقضي على مسبباته.

ثالثا: عدم استطاعة العاملين في مجالات المقاولات والتشغيل والصيانة والنظافة التوطين بهذه النسبة، 50%، أصلا، نظرا لعزوف الشباب السعودي عن العمل في هذه المجالات الصعبة والمناطق الوعرة والمهن غير المرغوبة منهم.

رابعا: كما رأينا في حديث الوزير إطلاق 38 مبادرة لتحفيز روح المبادرة والنمو في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.. وهذا القرار يؤثر على المنشآت الصغيرة والمتوسطة برفع تكلفة العامل عليها.

خامسا: رجال الأعمال لن يستبدلوا عمالة مدربة بعمالة غير مدربة لأن في ذلك خسارة كبيرة وتدنيا في الإنتاج.. وهذا يعني رفع تكلفة العمالة وبالتالي ارتفاع أسعار السلع.

سادسا: نتيجة لزيادة أسعار السلع ستزيد نسبة التضخم..

سابعا: سوف تتحمل خزينة الدولة مبالغ طائلة نتيجة ما يأتي:

أ‌- سوف يتم فسخ العقود أو تعثر المشاريع التي تم توقيعها بعد القرار.

ب‌- سترتفع قيمة المشروعات الجديدة.

ثامنا: يتوقع أن يعمل هذا القرار على تنشيط سوق العمالة غير النظامية نتيجة الحاجة الماسة. وقبل تقديم المقترحات لا بد أن نعرف أن سبب البطالة هو عدم مواكبة مخرجات التعليم لسوق العمل وهامشية تأثير التعليم والتدريب المهني في سوق العمل والعلاقة المتوترة بين رب العمل والعامل ومؤثرات التقاليد والأعراف الاجتماعية السلبية في سوق العمل وارتفاع نسبة الشباب في عدد السكان في البلاد والتعارض في الأنظمة والقوانين في الأنظمة المعنية بسوق العمل وتدفق العمالة الأجنبية الرخيصة وغير المدربة إلى البلاد وظاهرة التستر والأعراف الاجتماعية السلبية التي أدت إلى انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل. ولجوئها إلى العمالة الأجنبية الرخيصة غير المدربة لقضاء احتياجاتها (سائق ـ خادمة ـ حارس).

وبناء على كل ما تقدم لا بد من وجود استراتيجية للتوظيف تعالج هذه القضية على المستوى القصير والمتوسط والطويل تشارك فيها:

أ‌- الدولة.

ب‌- المواطن.

ج- القطاع الخاص.

حتى يمكن ضمان نجاح الخطط والبرامج والوصول إلى الأهداف المرسومة وهي:

أ‌- الازدهار الاقتصادي.

ب‌- تحقيق مجتمع سلمي منتج.

لأن الدراسات تقول الوظيفة الجيدة لها شروط ثلاثة:1- راتب جيد.2- تدريب وتطوير. 3- بيئة عمل مساعدة والحلول المقترحة تكون على ثلاث مراحل:

أولا: حلول على المدى القصير لحل المشاكل القائمة:

1- إعداد دراسة نوعية تحدد بدقة مجالات سوق العمل في المملكة العربية السعودية التي تتطلب نسبا عالية من التوظيف والمتوقع أن لا تزيد عن ستة مجالات.

2- التعرف بدقة على المهارات التي تتطلبها تلك المجالات.

3- إعداد حقائب تدريب عملية ونظرية لإكساب الباحثين عن الوظائف سواء في برامج التعليم المهني أو خارجه تلك المهارات ليصبحوا ملائمين للوظائف التي يتطلبها سوق العمل.

4- خلق فرص جديدة بالإضافة إلى الفرص القائمة عن طريق وضع برامج الخدمة الوطنية تستمر لمدة عامين يتم تدريب الباحثين عن الوظائف بها بعد إكسابهم المهارات التي تتطلبها. ومن هذه البرامج:

أ‌- برامج تدريب وطنية في الخدمات العسكرية والأمنية المساندة.

ب‌- برامج خدمة الإصحاح البيئي (تنظيف شواطئ ـ رفع كفاءة الطرق ـ ترميم الممتلكات والمباني العامة من مدارس ومستشفيات وخلافه).

ج- برامج خدمة المجتمع.

د- برامج خدمة الفقراء والمحتاجين.

هـ- تقديم مكافآت شهرية مقطوعة لمدة عامين لكافة المشاركين في هذه البرامج على غرار برنامج (حافز) ولكن مقابل أعمال مبرمجة.

ثانيا: حلول على المدى المتوسط:

1- اقتراح برنامج متكامل للابتعاث في التدريب المهني والتقني ابتداء من العام المقبل 1435/ 2014 تكون أهم عناصره:

أ‌- ترشيح المبتعثين بناء على تميزهم في مشروع الخدمة الوطنية على أن تصل الأعداد السنوية لهؤلاء المبتعثين 50 ألف مبتعث.

ب‌- يكون الابتعاث في المجالات التي تحددت أثناء الدراسة وهي المجالات الفعلية الموجودة في سوق العمل السعودي.

ج- تكون مدة الابتعاث عامين في دول مجاورة وذات تقدم تقني (تركيا ـ ماليزيا ـ جنوب أفريقيا ـ أوروبا الشرقية).

د- إشراك القطاع الخاص في برامج رعاية المبتعثين بهدف المشاركة في التكاليف وخلق فرص العمل مسبقا للمبتعثين المميزين.

2- العمل على تعديل نظام تقاعد المرأة بتخفيضه 50 عاما و40 عاما على التوالي لإحلال الشابات.

3- وضع برامج مالية ولوجستية لدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة للقوى العاملة السعودية المدربة بإنشاء صندوق حكومي ـ بمشاركة القطاع الخاص ـ على غرار صندوق التنمية الصناعي القائم حاليا.

4- وضع برامج تعويض المسرحين من أعمالهم.

5- استحداث "مرحلة التأهيلية" في التعليم وتشمل مرحلة: الروضة والتمهيدي والصفوف الثلاثة الأول "للبنين والبنات" وتقوم المعلمات السعوديات بالإشراف والتدريس الكامل مما يؤدي إلى خلق فرص وظيفية إضافية لقطاع الإناث المرتفعة نسبة البطالة فيه.

6- تطبيق مقترح إنشاء دور للمسنين لخلق فرص وظيفية لإناث..

ثالثا: حلول على المدى الطويل:

1- إعادة هيكلة برامج التنمية الاقتصادية للتركيز على الصناعات ذات الكثافة البشرية عوضا عن البرامج القائمة التي تركز على الصناعات ذات الكثافة الرأسمالية.

2- إعادة هيكلة برامج الإنفاق الحكومي للتركيز على المناطق الأقل نموا.

3- وضع وتنفيذ تصور استراتيجي لمحاربة الأعراف والتقاليد التي تحط من قدر الأعمال المهنية.

4- دراسة تجارب الدول الأخرى ذات القضايا المشابهة لمشكلاتنا.

5- دراسة ربط برامج الضمان الاجتماعي مع برامج تأهيل المواطن السعودي غير المدرب.

بعد رسم الخطوط العريضة لملامح استراتيجية التوظيف لا بد من الإسراع إلى تحويلها إلى برنامج عمل محدد بالتواريخ بحيث يتم البدء فيها وفق ما ورد فيها وأن تحدد مدة كل مرحلة من المراحل الواردة بعد إعداد دراساتها وخططها وبرامجها.