يلحظ المتابع للحراك التشكيلي المحلي تشابها وتمازجا بين الأساليب التشكيلية لبعض الفنانين والفنانات.

وعلى الصعيد العالمي كثيراً ما تشابهت أعمال بيكاسو مع أعمال صديقه جورج براك كونهما اشتركا في مرسم واحد، وبعد أن انفصلا عن بعضهما أصبح لكل منهما أسلوبه الذي يخصه، وفان جوخ قام بتقليد الرسومات اليابانية، بينما اعترف جويا بتقليده لأعمال أستاذه فيلاسكنيز ولكن بطريقة الحفر بالإبرة، كما تأثر جويا قليلاً برامبرانت في استخدامه للظل والنور.

أما لوحة الموناليزا فقد تم استنساخها عشرات المرات، ومن هذه الأعمال لوحة مستنسخة من مقتنيات مجموعة فيرون بالولايات المتحدة الأميركية وقد وصل سعرها إلى أكثر من مليون ونصف المليون دولار.

كل هذه الحقائق تجعلنا في حيرة من أمرنا، فهل يصح أن نقلد أعمال الآخرين وما مدى هذا التقليد وحدوده أم أن علينا نحن التشكيليين أن نبدع ونبتكر بعيداً عن التأثير والتأثر.

"الوطن" طرحت هذه القضية على عدد من التشكيليين، حيث رأى الفنان نصير السمارة أنه إذا استنسخ التشكيلي في بداياته الفنية أعمال المشهورين من الفنانين فهذا لا يعاب عليه كونه في مرحلة التعليم، ولكن لا بد أن يخرج في النهاية بأسلوب جديد يمثله، غير أن هناك من يستمر في التقليد والاستنساخ فيفقد هويته ويذوب في أساليب الآخرين.

ويعتقد السمارة أن الشبكة العنكبوتية تعد مجالا مفتوحا يسمح للاطلاع على نتاج الآخرين وأنها سلاح ذو حدين، فإما أن يستفيد الفنان منها، أو تؤثر فيه سلبا إذا استخدمها في استنساخ وتقليد أعمال الفنانين الآخرين دون وعي، وهنا يأتي دور الناقد المتخصص والمطلع على الأساليب الفنية لكثير من فناني العالم فيكشف المستور. ويقول السمارة في نهاية حديثة: إن سبب استنساخ أعمال الآخرين يعود إلى عدم اتضاح الرؤية أو الأسلوب الخاص الذي يميز إنتاج فنان عن آخر بشرط ألا يصل الاستنساخ إلى حد السرقة أو سرقة الفكرة وصياغتها بأسلوب مختلف في محاولة لإزاحة حقوق الفنان الفكرية تماماً كما فعل أحدهم عندما استنسخ مجسمي المسمى (غصن الزيتون) وقام بتنفيذه في الميادين، وقد تصدت لهذه القضية صحيفة الوطن في حينها.

من جانبه يرى الفنان أحمد فلمبان أن هناك فرقا بين التأثر والاستنساخ، فالتأثر لا بأس وطبيعي في أي وسيلة تعبير سواء على مستوى اللوحة أو المنحوتة أو الموسيقى أو الشعر، ومعظم الفنانين في العالم تأثروا بآخرين. أما الاستنساخ فهو النقل المتطابق من أي عمل فني معروف، وبعض الأعمال التشكيلية السعودية تغوص في هذا المستنقع، بسبب عدم بذل الجهد في البحث والاطلاع والدراسة والتجريب، وكون الاستنساخ يعد من أسهل الطرق للإنتاج السريع والوصول للنجومية والكسب المادي.

ويحصر فلمبان أسباب الاستنساخ والتقليد في عوامل عدة منها: الأمية الفنية، وغياب المعايير، وتقليد الأعمال الفائزة في المسابقات كون الجوائز تذهب إلى أسماء بعينها، وترويج بعض صالات الفن لمثل هذه المستنسخات، إضافة إلى مساهمة الشبكة العنكبوتية في فتح آفاق هذه الظاهرة، وتخلف النقد الفني الجاد.

واختتم فلمبان حديثه بقوله: الحمد لله لم يتأثر أحد بأعمالي لأنها غير مطلوبة في السوق ولم تفز في أية مسابقات محلية. مطالبا وزارة الثقافة والإعلام بإيجاد لجنة للمراقبة والفحص والتقييم لكل منتج أدبي وفني على غرار هيئة المواصفات والمقاييس بوزارة التجارة، مهمتها تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة والارتقاء بمنظومة النتاج الأدبي والفني، والمساهمة في دعم الفن التشكيلي للوصول به إلى مستوى الحراك بمفهومه العلمي.

من جهته ذهب محمد المنيف إلى أن الاستنساخ هو مطابقة العمل الفني لعمل آخر يتم به كشف خلو وفاض الناسخ المقلد والمكرر لأعمال غيره، وقد يكون مشوها لها في حالة عدم إتقانها. وهذا الأمر ينطبق كثيرا على الرسامين وليس الفنانين، كون الرسام يقوم بالنقل، بينما الفنان يبتكر ويبدع.

وأضاف أن التأثر مرحلة خاصة يمر بها الفنان ويبقيها في حدود تجاربه الخاصة لا يمكن عرضها أو اعتبارها جزءا من تجربته إلا إذا أشار إلى تلك الحالة كحق أدبي لمن استنسخ منه العمل، على ألا يواصل مثل هذا التوجه.

وأشار المنيف إلى أن التأثر أمر لا مفر منه كون الموهوب يتابع ويشاهد إنتاج الآخرين، خصوصا في هذا الزمن الذي أشرعت فيه النوافذ على العالم عبر الإنترنت، فالعقل الباطن يسجل ما تشاهده العين، ويستحضرها في أعماله دون شعور لتبرز خلال العمل ويكتشفها المتلقي المتابع للساحة التشكيلية أو الناقد المتخصص الذي يؤرقه الاستنساخ ويجعله في حالة من التردد في الحكم على العمل الفني. وقال "كثيرا ما يترك الناقد مساحة من الزمن للفنان ليحقق شخصيته وخصوصيته وبصمته الخاصة، بينما نجد أن صالات العرض لا تهتم إلا بالكسب المادي، فالأمر لا يعنيهم".