في الأسبوع الماضي، احتفل العالم بـ"يوم مكافحة الفساد"، الذي يصادف التاسع من ديسمبر من كل عام. وشعار العام الجديد هو "كن فاعلا ضد الفساد"، ويُقصد بذلك أن على المواطنين، وليس الحكومات فقط، واجبا في رفض الفساد وتعريته، بأن يكونوا عيونا وآذانا لحماية المصلحة العامة من الفساد.
وبهذه المناسبة دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى توافق دولي للقضاء على الفساد بجميع أنواعه.
فأين نحن اليوم، دوليا ومحليا، من محاربة الفساد؟
في تقديري أن التوافق الدولي الذي يُشير إليه الأمين العام قد تحقق إلى حد كبير، ولكن ما لم يتحقق هو الالتزام وإحراز نتائج على أرض الواقع على المستوى المحلي في كثير من دول العالم.
ففي عام 2003، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة "ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد"، وقررت أن يكون يوم 9 ديسمبر من كل عام هو "اليوم العالمي لمكافحة الفساد" للتذكير بهذا الميثاق الدولي.
وقد كان ذلك الميثاق أول اتفاقية دولية ملزمة لمحاربة الفساد، تحدد إجراءات الحماية منه وتحصين المجتمعات ضده، وكشفه وتجريمه، وتسهيل التعاون الدولي لاسترداد الثروات المسلوبة.
ودخل الميثاق حيز التنفيذ في عام 2005 بعد عامين فقط من صدوره، وانضمت إليه حتى الآن (164) دولة، خلال فترة قصيرة نسبيا. وبتوقيع هذا العدد الكبير من الدول تمثل 85% من إجمالي أعضاء الأمم المتحدة، أصبح الميثاق أحد الأعراف الدولية المستقرة. وكل هذه مؤشرات على قوة التوافق الدولي على مكافحة الفساد.
وأحد أسباب اهتمام الأمم المتحدة بهذا الموضوع هو العلاقة الوثيقة بين التنمية ومكافحة الفساد، ففي كثير من الدول النامية يُعتبر الفساد العائق الأول للتنمية، فعادة ما يكون لديها من الموارد المالية ما يكفي لتمويل التنمية أو تمويل الفساد، ولكن ليس لتمويل الاثنين معا، ومع الأسف يختار أكثرها أن يُغذّي الفساد بدل من أن يُطعم الجياع.
وضّح بان كي مون هذه الصلة بقوله الأسبوع الماضي: "إن تكلفة الفساد لا تُقاس فقط ببلايين الدولارات التي تُهدر أو تسرق من موارد الدولة، ولكن أكثر من ذلك تُلمس من خلال فقدان قدرة الحكومة على بناء المستشفيات، والمدارس، ومياه الشرب، والطرق والجسور التي كان يمكن بناؤها بتلك البلايين التي أهدرت أو سُرقت".
ويدمر الفساد الفرص، ويُضعف الالتزام بحقوق الإنسان والمبادئ الديموقراطية، ويخنق التنمية الاقتصادية، ويشوّه العلاقات بين الحكومات وشعوبها. وما هو أسوأ من ذلك أن الفساد يُضعف معنويات الشباب في الدول وتفاؤلهم وإيمانهم بالعدل والمساواة، وربما دفعهم إلى اليأس والعنف سبيلا لتحقيق طموحاتهم.
وقد أصبحت بعض طرق الفساد معقدة عصية على العلاج، تتطلب تكاتف القوى داخل كل دولة، وعلى المستوى الدولي، لمواجهتها. ولذلك، أُسست في مارس 2011 "الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد" في فيينا، بمبادرة من الحكومة النمساوية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتهدف الأكاديمية إلى مساعدة الدول الموقعة على ميثاق مكافحة الفساد على تطبيق أحكامه.
ويقول المتفائلون، مثل بان كي مون، إن الفساد ليس قدرا محتوما بل يمكن القضاء عليه. ولكن في الدول النامية، حيث ما زالت آليات الشفافية والمساءلة وحُكم القانون في مرحلة التطوير، يعتقد الكثيرون أن الفساد أصبح جزءا لازما ودائما من خصائص العمل الحكومي، وأن أفضل ما يمكن أن نحلم به هو العمل تدريجيا على فضحه ومعاقبة مقترفيه، إلى أن تُصبح تكلفة الفساد أكبر من قدرتهم على الاستمرار فيه.
وقد أصبحت المملكة العربية السعودية جزءا من النظام الدولي لمكافحة الفساد، فقد انضمت في عام 2003 إلى ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وفي عام 2007، أقرت "الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد". وفي مارس 2011، أنشأت "هيئة مكافحة الفساد". وخلال عمرها القصير (21 شهرا)، نظمت الهيئة حملات توعية متعددة باستخدام الوسائل التقليدية والحديثة للتواصل الاجتماعي.
ولكن كثيرا من المواطنين يرغبون في رؤية نتائج ملموسة وقضايا محددة تتولاها الهيئة ويتم فيها إيقاع العقوبة على مرتكبي الفساد. وربما يتفهم أهل الاختصاص تردد الهيئة أو عدم قدرتها على أداء ذلك الدور حتى الآن، لأن من الصعب على هيئة جديدة أن تحتل مكانا لها أو تحدد دورا فاعلا في ظل تواجد العديد من الهيئات والجهات الرقابية والإشرافية والقضائية وشبه القضائية، ومعظمها تتقاطع اختصاصاتها مع مهام الهيئة الجديدة في مكافحة الفساد.
ولكن المواطن العادي يحتاج إلى أن يرى بسرعة نتائج ملموسة تتناسب مع إعلانات الهيئة وتطلعات المواطنين إلى القضاء على الفساد في أسرع وقت وأقوى وسيلة.
وعلى سبيل المثال، ألهبت التحقيقات في المآسي التي تسبب فيها المسؤولون في أمانة مدينة جدة، ومحاكماتهم، حماس المواطن العادي. وعلى الرغم من أنه لم يكن للهيئة دور في محاكمات جدة إلا أن المواطن يتطلع إلى أن تقوم الهيئة بالتحقيق في قضايا أخرى يراها لا تقل إلحاحا.
ولا تقل طموحات هيئة مكافحة الفساد عن طموحات المواطن في تحقيق دور أكبر لها. ففي الأسبوع الماضي، قال رئيس الهيئة إن اختصاصها لا يقتصر على الفساد في الدوائر الحكومية، بل يمتد إلى الشركات الخاصة التي تملك فيها الحكومة حصة لا تقل عن 25% من الأسهم.
ومن المؤكد أن المواطن يرحب بمثل هذا التوجه، ولكن ربما جعله أكثر إلحاحا على الهيئة لكي تبدأ في تفعيل دورها في مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص بشكل يستطيع أن يلمسه ويراه.