هل نحن حقا شعب يعرف قيمة العمل؟ سألت نفسي ولكن فشلت في الحصول على الإجابة بنعم، بعد أن أضناني السؤال، وأُغلقت كل الأبواب أمام الإجابة بنعم. كيف لا، وشوارع بلادي تعج بالكسالى والعاطلين والمتسكعين على الأرصفة والميادين العامة.
بينما نرى الآخرين، الذين يأتون إلينا من دول الجوار سعيا وراء لقمة العيش، لا يترفعون عن أي عمل طالما كان عملا شريفا، ويسد رمقهم رجالا ونساء، كبارا وصغارا. يعملون في مختلف المهن بكد وجهد كبيرين، يثيران الإعجاب والاحترام وحتى الذين يحملون منهم درجات علمية تؤهلهم لشغل وظائف أفضل من التي يعملون بها، لا يترفعون عن العمل في وظائف بسيطة.
بينما نحن نحلم دون بذل أقل جهد لتحقيق هذه الأحلام. فجمعينا يرى أن العمل المهني والحرفي لا يتناسب مع طبيعة شبابنا، وبكل سذاجة ننتظر معجزة من السماء لتحقيق الأحلام، حتى التي لا نملك مؤهلا لها، وعندما نتحدث مع أحدهم عن العمل بمهنة بسيطة يكون الرد ـ إنه ابن فلان ـ فكيف يعمل بمثل هذه المهن؟ بينما تجد أن فلانا هذا لا يجد حتى ما يسد به رمقه. وهل للإنسان قيمة بلا عمل؟
هذا هو الحال في بلادي، وبكل أسف فإن الوهم يسيطر فيها على معظم الناس، إذ إن الواقع يقول: إن هذا البلد يحتاج إلى سواعد حتى ينهض. ولأننا لم نبلغ حتى الآن الحد الأدنى من الاكتفاء وليس الثراء، حتى نفتح الباب على مصراعيه لعمل الأجانب، فنسبة البطالة في ازدياد ملفت، وتنبئ بخطر قادم يقودنا جميعا للبحث عن فرص العمل، وإعادة دراسة واقعنا بنوع من الواقعية.
إن ما نشاهده على أرض الواقع من قيام الأجانب بالعمل في المهن التي نترفع عن العمل بها، على الرغم من أن الكثير من الأثرياء في وطننا، عندما يحكون عن سيرهم الذاتية يذكرون وبفخر وتواضع جمٍّ، كيف أنهم بدؤوا مسيرتهم بأعمال بسيطة كعمال أو باعة متجولين، وكيف أنهم قد عانوا خلال مسيرتهم إلى أن بلغوا أهدافهم، وهم في ذلك يعطون دروسا في التواضع والصبر. وحقا من تواضع لله رفعه.
مشكلة عدم إدراك الإنسان للعمل كقيمة، مشكلة خطيرة وكبيرة، وتترتب عليها آثار سلبية جدا على مستقبل الأفراد والبلاد، ولابد من التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، بتضافر كل الجهود: من الدولة ورجال الدين والإعلاميين والجهات المتخصصة بالمجتمع المدني، من أجل رفع الوعي بقيمة العمل في أوساط الشباب السعودي، ومحاربة مفهوم الوصمة أو العار، التي تلتصق ببعض المهن، وإيجاد مراكز تدريب لهذه المهن البسيطة.