يحتفل العالم اليوم باللغة العربية. وقد تم اختيار هذا اليوم لأنه اليوم الذي صدرت فيه الموافقة من هيئة الأمم المتحدة لتكون اللغة العربية من بين اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة. لقد كان هذا اليوم مطلبا ملحا من الكثيرين الذين ينادون بيوم عالمي للغة العربية يتذكر الناس فيه عظمة هذه اللغة وقدسيتها ومكانتها التي لم تحظ بها لغة غيرها. هذه اللغة اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون لغة القرآن الكريم الذي جاء ليخاطب كل الناس بالرغم من اختلاف ألسنتهم وألوانهم، بل إنه يخاطب بها الجن وغيرهم من المخلوقات التي خلقها الله تعالى. لقد كان أكثر الطلبات إلحاحا لهذا اليوم صدر في المؤتمر الأول للغة العربية الذي عقد في مارس 2012 والذي نظمه المجلس الدولي للغة العربية بالتعاون مع "اليونسكو" ومكتب التربية العربي لدول الخليج، وقد حظي المؤتمر باهتمام كبير نوقشت فيه 250 دراسة وشارك في المؤتمر أكثر من 850 شخصية من 47 دولة. وقد نتج عن المؤتمر وثيقة بيروت تحت عنوان "اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها".. والتي لخصت أهم الهواجس والتحديات التي تواجه اللغة العربية في كافة الميادين، ولم تهمل تلك الوثيقة أي جزئية تتعلق باللغة العربية إلا وتطرقت لها، لتشكل بذلك خارطة الطريق للغة العربية، فشخصت المشكلات وقدمت الحلول. ومن بين فقراتها الرئيسية المطالبة بيوم عالمي للغة العربية كما ورد في الفقرة الثامنة عشرة من الوثيقة. إنه تزامن جميل أن تحمل تلك الفقرة من وثيقة بيروت، "اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها" نفس تاريخ اليوم العالمي للغة العربية الذي كان الفضل في تقديمه واعتماده في اليونسكو لرئيس البعثة السعودية لدى اليونسكو الدكتور زياد الدريس، والذي كان من بين أهم الداعمين والرعاة للمؤتمر الدولي الأول للغة العربية.

ومن هذا المنطلق يشعر المجلس الدولي للغة العربية بالفخر والاعتزاز بتحقيق أحد بنود وثيقة بيروت، ويأمل أن تتضافر الجهود لإكمال مسيرة استنهاض الهمم لمعالجة أزمة اللغة العربية التي تحتاج إلى وقفة شجاعة من الجميع لحمايتها من الإقصاء في جميع الميادين. والدعوة موجهة للجميع للاطلاع على وثيقة بيروت التي لا تتعدى خمس عشرة صفحة، وتحتوى على عشرين بندا رئيسا تتعلق جميعها بكافة القضايا والتحديات التي تواجه اللغة العربية.

وبهذه المناسبة أتوجه للغة العربية بخطابي فأقول:

أيتها اللغة العربية المقدسة

يا من يجتمع العالم اليوم على شرفك.. أحييك بكل لسان وشفة نطقت بك.. وبكل حرف كتب بك..

يا من تسكننا ونسكنها.. إني أحبك كي أبقى على صلة.. بالله.. بالأرض.. بالتاريخ، بالزمن.. أنت البلاد التي تعطي هويتها.. من لا يحبك يبقى دونما وطن.

واسمحي لي أن أتحدث على لسانك الشريف بهذه الأبيات من قصيدة كنت قد كتبتها لك، ولم تحن المناسبة لكي ألقي عليك قصيدتي. ولكن اليوم يومك، والعالم عالمك، ويحق لك أن تفخري وتفاخري بنفسك، فأنت لا شبيه لك، واعذري تقصيري في التعبير عنك بما تستحقين من المكانة والقدر، ولكن حان الوقت ليتذكر الناس من أنت فأقول بلسانك عنك.

أنا العربية الفصحى

أنا من كرم الرحمن

أنا جبريل ينطق بي

أنا الآيات في القرآن

أنا لمحمد نسب

أنا أعتز بالفرقان

أنا سور وأجزاء

أنا الرحمن والإنسان

أنا الصلوات والدعوات

أنا الإحسان والإيمان

أنا العربية الفصحى

أنا للفكر في الأكوان

أنا للعقل منطلق

أنا للبحث والبرهان

أنا لخيال من برعوا

أنا أتجاوز الأزمان

أنا لا شيء يوقفني

أنا خيل بدون عنان

أيتها اللغة العربية المشرفة. المستقبل لك، شاء من شاء وأبى من أبى. نعم، فأنت مرتبطة بالسماء والأرض، بالماضي والحاضر والمستقبل، بالإنس والجان، بكل مخلوقات الله التي قال الله عنها في كتابه العزيز الذي تنطقين به: "وإن من شيء إلا يسبح بحمد ربك ولكن لا تفقهون تسبيحهم".

سيدتي المشرفة. نحن على لقاء قريب في محفل مهيب يجتمع فيه أحبتك وعشاقك من كل حدب وصوب ليلبوا دعوتك الكريمة إلى مؤتمرك القادم الذي سوف يعقد في مايو 2013 في دبي. الكل سيأتي لحمايتك والدفاع عنك، لأنك أم اللغات والعلوم التي ربطت الحضارات ببعضها، ومهدت للحضارة المعاصرة، هناك سوف تسمعين وتسمعين العالم كله أنك قادمة وبقوة إلى الحياة من جديد، لتعمري العقول وتسكني القلوب، وتشعلي فينا الإبداع والابتكار الذي فقدناه ببعدك الطويل عنا.

نعم سيعود رجالك ونساؤك الذين بك يعلون ويفتخرون وينتسبون، ويحلقون في ميادين الصناعة والتقنية والعلوم والترجمة، والطب والهندسة والعمارة والإدارة والفلسفة، والأدب والشعر، بل بك يدخلون إلى مستقبل مشرق أنت شعاعه المنير وضياؤه الجلي المبهج. نعم أيتها الأم الحنون، التي لم تشتك من ضيم أبنائها وبناتها لها، ولكنها صبرت، لأنها تعرف أن أحفادها سوف يكونوا أوفياء لها، وسيجعلون منها قصة أخرى، مثلما كنت في مكة وبغداد ودمشق والقاهرة والقيروان والأندلس والهند وأفريقيا وآسيا الوسطى. عاشت اللغة العربية أبية عالمية عصية، لأنها القضية وليست المطية.