خميس مشيط مدينة تفرض نفسها رغم ما تعانيه.. هي تعطي أكثر مما تأخذ.. ليست مجرد مدينة في وسط الصحراء، بل هي مدينة أم ومن حولها مدن..

هذه المدينة التي تعد أكبر المدن مساحة في منطقة عسير وأكثرها سكانا، إذ يتجاوزون مليون مواطن شكلوا من مختلف المناطق.. ورغم التمايزات والاختلافات وتعدد الثقافات القبلية فإنها كانت وما زالت أنموذجا للحمة الوطنية في بلادنا الحبيبة..

ملف هذه المحافظة ملف ساخن يحمل في طياته العديد من القضايا الشائكة، التي تزداد يوميا بسبب أن النمو في المحافظة يختلف عنه في جميع المحافظات، وكان له علاقة عكسية بمنح قطاعاته والأجهزة الحكومية صلاحية اعتماد مشاريع تخدم أهل هذه المدينة.. كما أن أغلب القطاعات في المحافظة تعاني من ضعف الإمدادات وضعف في الميزانيات المخصصة وعدم احتساب أو تقدير النمو المتزايد سنويا.. وكأمثلة مختزلة التفاصيل نتناول ورقتي الصحة والتعليم:

فرغم أن المحافظة مترامية الأطراف، وبهذا التعداد السكاني، إلا أنه لا يوجد بها إلا 15 مركز رعاية أولية، ومستشفى مدني واحد ومن يستعصي علاجه لا يحول لمستشفى تخصصي إلا بعد استعصاء علاجه في مستشفى عسير الذي لا يمكن توفير سرير به دون الاستعانة بصديق.. وسؤال أوجهه لوزير الصحة؛ مدينة مليونية سكانها يعالجون في مستشفى مدني واحد به أسرة محدودة وخدمات غير متكاملة! هل يستوعب هذا المستشفى هذه الأعداد...؟! و لماذا الإصرار على عدم إنشاء مستشفى يضاهي مستشفى عسير المركزي ليخدم الخميس وضواحيها؟! ولماذا كتب على سكان المدينة العلاج في مستشفيات خاصة رغم الظروف المادية السيئة للكثير منهم؟!

وملف التعليم يبدو أكثر تعقيدا؛ محافظة بها أكثر من 400 مدرسة للبنات ومثلها للبنين.. عدد الطالبات والطلاب يفوق 150ألفا.. ما زالت مجرد مكاتب فرعية دون ميزانيات ودون صلاحيات، حتى إن جهود عامليها وطاقاتهم تبذل لكن بلا جدوى.. واختزلت الجهود في صادر ووارد واستقبل وودع ومرشدين جغرافيين لمصاحبة المسؤولين.. وترتبط المكاتب برؤسائهم الذين يرتبطون بالإدارات العليا في كل التفاصيل.. طاقات معطلة وجهود ضائعة.. طلاب وطالبات.. أولياء أمور.. وقضايا معلمين ومعلمات.. الكثيرون متضررون من تعطيل معاملاتهم والتردد على الإدارة الرئيسية.

قد يرد مسؤول أن المركزية والبيروقراطية تضمنان تحقيق الحد الأدنى من أداء العمل.. فهل الدولة الآن وفي ظل هذه الصعوبات ما زالت تكتفي بالحد الأدنى؟! مركزيتهم تفتقر للمساواة وتكافؤ الفرص والتدريب المناسب.. كل هذا أدى إلى ضياع الجهود وتجييرها للآخرين..

ولو فتحنا العديد من أوراق الملف لوجدنا أن المشاكل تتلخص في تعطيل المشاريع، أو في عدم وجودها أصلا، وأربط بذلك التطور الاقتصادي للمحافظة؛ فنسبة كبيرة منه جهود ذاتية من أبنائه من رجال الأعمال، فهم بأيديهم وبفضل الله أولا، أصحاب الأيادي البيضاء في إقامة المشاريع والمستشفيات والمدارس الخاصة.. وحسنوا فرص العمل وأوجدوا قنوات جديدة لكسب الرزق. بل إنهم فتحوا قاعات مقراتهم ومستشفياتهم لإقامة المحاضرات والندوات لإثراء الحركة التعليمية والثقافية في المحافظة.

وأؤكد أن المحافظة بتصنيفها الحالي إداريا لم تتساو مع المحافظات الأصغر منها بكثير والأقل سكانا وتختلف في ظروفها.. وما زالت الخميس برغم ظروفها الاستثنائية كمدينة عسكرية تجارية بها العديد من غير السعوديين أصحاب الإقامات النظامية وغير النظامية والعمالة السائبة والذين يشكلون عبئا آخر على المدينة والدولة، يقدم أبناؤها نماذج متفوقة ومثابرة وإصرارا على النجاح.. فقط لأنهم تبنوا بناء محافظتهم كمشروع حضاري يمثل وطنا بأكمله.

ورسالتي وأسئلتي للمسؤولين: ما العائق من مساواة خميس مشيط ببقية المحافظات وتحويل مكاتبها الفرعية في جميع القطاعات بلا استثناء إلى إدارات رئيسية، خاصة أن النظام يقف إلى جانبها؟

امنحوا أبناء المحافظة الثقة، فمن يبني محافظته بساعده سيكون جديرا بحمل الأمانة والمسؤولية، واعلموا أن قوة أي مجتمع لا تقاس بممتلكاته المادية، بل بمقدار الاستثمار في أفراده.

يا أهل التربية، وزارتكم تدعو للجودة الشاملة وتقيمون من أجلها المؤتمرات المحلية والعالمية، ولا تجرؤون على التغيير والتفويض ومنح الصلاحيات والميزانيات التي تناسب هذه المحافظة وظروفها!.علما أن أداء الإدارات الرئيسية يتراجع والفرعية أيضا..والسبب استمرار العمل بنفس الوتيرة لعشرات السنين دون تغيير.. نحن بحاجة إلى تحولات جذرية في أوضاع المحافظة.. والتوازن مطلوب لأنه من مفردات العمل الناجح..

فالإدارة معناها مسؤولية وعمل.. معناها رقابة ومحاسبة.. لا تظلموا أبناء المحافظة عند حدوث تقصير، بل اللوم يقع على من أعاق منحهم فرصة العمل بحرية ومرونة ثم حضر للمحاسبة فقط.

ونحن واهمون إذ تصورنا أنه بالمركزية سنسهم في تحقيق أهداف دولتنا، وسنبقى نردد اسطوانتها المشروخة دون أن نعي حقيقة دورنا والتزامنا بإنجاز المطلوب منا تجاه مجتمعنا والأجيال القادمة..

وإذا استمرت المحافظة تسير دون تغيير في تشكيل هيئتها الإدارية، ماذا سيحدث في ظل هذا النمو السكاني المتزايد؟ الإجابة هي تعطل المشاريع وعدم تقدير ما تحتاجه المنطقة أصلا.. ناهيك عن الازدواجية، وتداخل المهام والأدوار، واتهامات متبادلة.....و...وسلبيات لا حصر لها.

وأختم هنا بقصة مشهورة وردت في كتاب القصيبي ـ رحمه الله ـ "حياة في الإدارة" ..عندما مر وصديقه بخط كهربائي وسأله الصديق أين يتجه هذا الخط؟ رد عليه الوزير القصيبي بأنه لا يعرف.. ودهش صديقه وقال أنت الوزير ولا تعرف؟!

لا يعرف القصيبي لأنه آمن بوحدة الإدارة، وشدد على أن الإخلال بها يؤدي إلى إخلال بمستوى الأداء جملة وتفصيلا. فمنح صلاحيات وثقة وتفويضا، وكان يعجب ـ رحمه الله ـ من الوزراء الذين يحصرون كل كبيرة وصغيرة في أيديهم وكان يردد: "إن من ينفق وقته في التوافه لن يجد متسعا من الوقت للعظائم"، ورد على صديقه: لو كنت أعرف مسار كل خط لما كنت وزيرا، بل كنت مدير شركة.. لم يقتنع الصديق والكثيرون غيره لم يقتنعوا.. وما زالت المركزية أسلوب عمل!

وأخيرا؛ ماذا عن ترتيب خميس مشيط في أجندة وزارة التخطيط إن كانت أصلا ضمن أجندتها؟