أرجع خبيران اقتصاديان تخفيض وكالة الطاقة الدولية لتقديراتها حول الطلب العالمي للنفط خلال العام الجاري والعام المقبل، إلى عدة عوامل تنحصر في مجملها على الأوضاع الاقتصادية العالمية الحالية، داعين الدول الخليجية إلى زيادة الإنفاق المحلي وتنويع مصادر الدخل عبر الاستثمار في قطاعات الإنتاج واستثمار الاحتياطيات بما يحقق دخلا يمكن أن يسد حاجتها مستقبلا بمعزل على إيرادات النفط.

الخبير الاقتصادي الكويتي والمتخصص في شؤون النفط حجاج بوخضور، قال لـ"الوطن"، إن تخفيض وكالة الطاقة الدولية للطلب العالمي على النفط، يأتي انعكاساً للأوضاع الاقتصادية بشكل عام، مبيناً أن ذلك يعود إلى تعديل أنظمة اليورو المرتبطة بالسياسات التقشفية مما سيؤثر بلاشك على حجم استهلاك النفط في تلك الدول ويمثل كلفة في ميزانها التجاري.

وقال بوخضور إن هذا التخفيض سيؤدي إلى تراجع الطلب في العالم، وتخفيض الصين لمعدلات النمو الاقتصادي في محاولة لكيلا يكون هناك إرهاق للاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوروبي يعد شريكاً تجاريا رئيسيا، وليس في مصلحة أحد أن تكون هناك أزمات مالية في الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: "هذا أحد الإجراءات التي تدفع الصين إلى أن تخفض من حجم وارداتها النفطية".

وعن تأثر عوائد الصادرات النفطية من الخليج بذلك، قال بوخضور إنه بلا شك سينعكس على صادرات النفط من دول الخليج، باعتبار أنها مصدر رئيسي للدخل، مضيفاً: "فتراجع الطلب على النفط يؤدي إلى تراجع عوائدها النفطية وهذا التراجع بحد ذاته يؤثر على الوضع الاقتصادي وفي حركة النمو في دول مجلس التعاون باعتبارها أحد المصدرين"، مشيراً إلى أن من شأن ذلك أيضاً تراجع في أسعار النفط.

دلالات سياسية

ولفت بوخضور إلى أن تقديرات وكالة الطاقة الدولية تحمل دلالة سياسية أكثر من كونها اقتصادية، مفسراً ذلك بأن وكالة الطاقة استخدمت في تعبيراتها جوانب معينة لتوجيه رسائل اقتصادية وسياسية مجتمعة أكثر من كونها اقتصادية بحتة، مؤكداً: "ولا يجب أن نأخذ هذا التقدير على محمل التأكيد".

وهنا شدد بوخضور على أن تركز دول الخليج في سياساتها الإنفاقية على زيادتها على المستوى المحلي في التنمية وغيرها، مستشهداً بنهج المملكة خلال الأزمة المالية 2008، بعد أن لجأت إلى مثل ذلك وتحريك العجلة الاقتصادية من خلال زيادة الإنفاق في المشاريع الداخلية، واصفاً الاستثمارات الخارجية بالمكلفة.

وأوضح بوخضور أن زيادة الإنفاق المحلي يحسن الاقتصاد من أي ركود اقتصادي وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة على سبيل المثال، فسياسة الولايات المتحدة الأميركية تتمثل في تحريك اقتصادها المحلي بزيادة الإنفاق على الرغم من وجود هذه الأزمات، لأن ذلك يخلق فرص عمل ويخلق اقتصادا حقيقيا ويحسن الاقتصاد ويجنبه التضخم.

تدني الأسعار عالميا

ويتفق الخبير الاقتصادي السعودي فضل البوعينين مع ما ذهب إليه بوخضور، حول تأثير انخفاض الطلب على النفط، مبيناً أن أي انخفاض في الطلب العالمي يؤثر سلبا على الدول المنتجة وعلى رأسها دول الخليج إضافة إلى تأثيره المباشر على الأسعار انخفاض الطلب مما يؤدي إلى تدني مستوى الأسعار عالميا.

وقال البوعينين إن دول الخليج ستتأثر من ثلاثة جوانب رئيسية، الأول في انخفاض الدخل المرتبط بانخفاض الكميات المنتجة إضافة إلى انخفاض الأسعار، والثاني يكمن في بعض دول الخليج التي ستتأثر بسبب استثماراتها الضخمة في قطاع الإنتاج على أساس أن هذه الاستثمارات قد تتأثر إذا ما انخفض الطلب العالمي على النفط مستقبلا على أساس أنها استثمرت أموالا لزيادة طاقتها الإنتاجية في الوقت الذي سيصبح فيه جزء من هذه الطاقة معطلا إذا ما انخفض الطلب العالمي بحسب التوقعات، أما الجانب الثالث فيتمثل في أن دول الخليج تعتمد في مواردها واقتصادياتها على النفط وأي انخفاض في الدخل مستقبلا سيؤثر سلبا في نمو اقتصاديات الدول الخليجية.

وذكر البوعينين أن دول الخليج النفطية وعلى رأسها السعودية نجحت في بناء احتياطيات مالية ضخمة ستساعدها في ترتيب أمورها المالية مستقبلا في حال انخفاض الطلب العالمي على النفط أو انخفاض الأسعار ومن هذه الاحتياطيات يمكن أن تنفق على مشروعاتها التنموية بسهولة.

النفط مصدر التمويل الوحيد

وأشار البوعينين إلى أن اعتماد دول الخليج على النفط كمصدر وحيد لتمويل ميزانياتها يعرضها دائما للخطر على أساس أن أسعار النفط وحجم الطلب متغيران لا يمكن الاعتماد عليهما، ومن هنا يجب على دول الخليج العمل على تنويع مصادر الدخل من خلال الاستثمار في قطاعات الإنتاج واستثمار الاحتياطي بما يحقق دخلا يمكن أن يسد حاجتها مستقبلا بمعزل على إيرادات النفط.

وكانت وكالة الطاقة الدولية، قد خفضت في تقرير نشر لها أول من أمس، إلى حد كبير تقديراتها للطلب العالمي للنفط لسنتي 2012 و2013 بسبب نمو اقتصادي "رخو" وارتفاع أسعار النفط وتراجع احتياجات الصين والولايات المتحدة للذهب الأسود.

وقالت هذه الهيئة التي تمثل الدول المتطورة في قطاع الطاقة، في تقريرها الشهري إن "النمو الاقتصادي الرخو يمكن أن يخفض نمو الطلب على النفط بمقدار 900 ألف برميل يوميا في 2012 و800 ألف في 2013"، أي أقل بـ300 ألف و400 ألف برميل على التوالي من التقديرات السابقة.

وأوضحت المنظمة الدولية التي تتخذ من باريس مقرا لها أن هذا النمو الضعيف يفسر "بتضافر ارتفاع الأسعار والأجواء الاقتصادية السيئة".

وتفيد التقديرات الجديدة للوكالة بأن إجمالي الطلب العالمي على النفط سيكون 89,6 مليون برميل يوميا في 2012 و90,5 مليونا في 2013، مشيرة إلى أن الزيادة في الطلب تأتي خصوصا من الدول الناشئة.

وفي مؤشر على التباطؤ، سجل الطلب على النفط في حزيران تراجعا في أكبر بلدين مستهلكين لهذه المادة في العالم أي الولايات المتحدة والصين.

وقد انخفض الطلب حوالي مئة ألف برميل يوميا في الولايات المتحدة و600 ألف في الصين.

وقالت الوكالة إن التراجع في البلدين العملاقين اللذين يستهلكان ثلث النفط في العالم، يساهم في خفض أكبر للتقديرات المتعلقة بالطلب.

خفض النمو العالمي

وترافق خفض تقديرات الوكالة للاحتياجات النفطية العالمية مع خفض في تقديراتها للنمو العالمي في 2013 إلى 3.6% مقابل 3.8% حاليا، أما تقديراتها للسنة الجارية 2012 فبقيت على حالها 3.3%.

وهي المرة الرابعة منذ بداية 2012 التي تخفض فيها الوكالة تقديراتها للطلب على النفط.

وعلى صعيد العرض، ارتفع الإنتاج 300 ألف برميل يوميا في يوليو عما كان عليه في يونيو ليبلغ 90,7 مليون برميل، كما قالت الوكالة.

وعلى مدى عام، سجل الإنتاج ارتفاعا قدره 2.6 مليون برميل معززا بحجم الإنتاج في العراق ودول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وخصوصا السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.