دار حوار بيني وبين صديقة، فكان أشبه بحوار بيزنطي ليست له نهاية، فهي لا تؤمن إلا بما تراه أما غير ذلك فليس له معنى بالنسبة لها، وهي ترى أن فكرة الوعي وكلمة الوعي التي أرددها ليست مفهومة وواضحة، في حين وعدتها أن أكتب شيئا عن أهمية أن نذهب للوعي أو نأتي به إلينا وإلا فإن الإنسان لن يكون إلا كائنا يسير على غير هدى. وها أنا أفعل لأجلها ولأجل كل من يسعى بذاته إلى هناك. الوعي والتنوّر كلمتان نسمعهما كثيراً لكن غالباً ما يبقى معناهما غامضاً، مستتراً أو حتى مشوّشاً. وهذا الغموض طبيعي بسبب عدّة عوامل، منها أن "الوعي" الحقيقي والكامل، مثل كل تجربة روحية عميقة، أمر من الصعب جداً وصفه بالكلمات، إنه حالة حيّة تُختبر بما هو أبعد من الجسد.

الإنسان الواعي هو المتصالح مع الحياة، مهما وضعت من عراقيل وصعوبات في طريقه. هو الذي يقبل الأحداث الجيدة والأحداث السيئة في أيامه من دون أن يفقد توازنه أو ينكسر أمام أي حدث. هو القادر على الاستمتاع بكل لحظة في حياته أينما كان وكيفما كان دون أن يعني ذلك رضوخه لما لا يمكن الرضوخ له.

الإنسان الواعي هو المتصالح مع نفسه وأفكاره وكيف تستطيع أن تؤثر عليه وأن يؤثر عليها؛ يعرف نقاط قوته وضعفه ويعرف كيفية استعمالها والتصالح معها. يعرف كيف يفهم ويعي كل حالة تمرّ عليه، داخلية كانت أم خارجية، ولا يدعها تطيح بتوازنه أو تتحكّم بمزاجه أو قراراته أو أفكاره. الإنسان الواعي هو الذي يعرف أنه كون قائم بحدّ ذاته، وأن كونه الداخلي هو مطابق للكون الخارجي الكبير، مطابق له في بنيته، في عظمته، وهو الذي يمارس الحياة بوعي، من أبسط تفاصيلها وأحاديثها اليومية، بجمالها وقبحها. هو الذي يعرف جيداً كيف يحب ويكره وكيف يقاتل وكيف يصنع سلاماً، يعرف كيف يسامح ويحزن ويفرح من دون أن يسلّم زمام إرادته لهذه المشاعر المؤقّتة.

الإنسان الواعي هو الذي يستطيع رؤية الحياة بحقيقتها، لا كما يريد ذهنه أو رئيسه أو إعلامه أن يريه إياها؛ بل كما هي في حقيقتها الساطعة. هو الذي يستطيع تقدير الحياة والاستمتاع بجمالها في كافة أوجهها. الإنسان الواعي هو الذي يدرك ما وراء الجسد أيضاً، لأنه يعرف الروح وحقيقتها؛ هو الذي يستطيع التواصل مع أعماقه ومع حقيقته الأسمى، وهو الذي يستطيع التواصل مع الآخرين والشعور بهم، لا كوجوه متكلّمة فحسب، بل كطاقة وروح وإشعاع وكينونة وجوهر. الإنسان الواعي هو الإنسان "الحاضر"؛ الحاضر بكامل حواسه وذهنه ونفسه مع الكون، الحاضر بكامل حواسه وذهنه ونفسه مع أعماله وحياته اليومية، وهو لا يمارس الغياب، لا يعيش حياته بالشرود أو الهروب أو التأجيل أو الإحباط؛ يحياها هنا الآن، كل لحظة يحياها كاملة وجميلة وعظيمة بذاتها، كل لحظة كأنها الأخيرة وكل لحظة كأنها الأبدية أيضاً، كل لحظة تحوي الحياة بأكملها… فلنحياها واعين مستيقظين.