المواهب الفذة مثل الأحجار الكريمة، كلما مرت عليها الأزمنة والسنوات تزداد تألقا وبريقاً، وفي عالم الرياضة العالمية برزت موهبة سعودية قلما يجود بها الزمان، ولدت من أرض طيبة الطيبة، تمكن صاحبها من الصعود إلى القمة، ليس محليا أو عربياً؛ وإنما على المستوى العالمي، إنه "عبد المحسن خلف المولد"، الذي أمضى أكثر من ربع قرن بسلة (أحد) والمنتخب السعودي، وإذا كان "كريم عبدالجبار" الأميركي هو اللاعب الأغلى في تاريخ كرة السلة و"مايكل جوردن" الأميركي هو أفضل لاعب كرة سلة عبر التاريخ؛ فإن "عبدالمحسن خلف" السعودي هو عميد لاعبي العالم في تاريخ اللعبة; فهو أكبر لاعب في العالم في كرة السلة بعد أن شارف على الـ52 من عمره، ويسجل بذلك رقما جديدا في تحطيم الأرقام القياسية لتفتح له موسوعة جينيس أبوابها لأكبر مُعمر رياضي امتد مشواره الرياضي قُرابة 33 عاماً، ويتفوق بذلك على اللاعب "كريم عبدالجبار" الذي استمر في اللعبة حتى الـ44 من عمره.
أطلق عليه النقاد بأنه ظاهرة فريدة من نوعها في ملاعب العالم، حيث تزاحمت عليه الألقاب "الأسطورة"، "الأستاذ"، "الذهب"، "الجوهرة"، "المخضرم"، "الدكتور"، "عميد لاعبي العالم"، "نجم النجوم".. خاصة أنه لا يزال النجم الأول للعبة، ومعدل تسجيله مرتفع مثل اللاعبين العالميين، حيث يسجل في بعض المباريات أكثر من 80 نقطة، ويكفي أنه لعب دورا رئيسا في تحقيق فريقه بطولة الدوري للموسم الماضي، بل إن مبارياته الدولية مع المنتخب والتي تخطت 400 مباراة كفيلة بدخوله التاريخ من أوسع أبوابه، بالإضافة إلى أنه حقق لفريقه أكثر من (30) بطولة بين محلية وخليجية وهو نموذج يُحتذى به لكل الرياضيين خلوق، هادئ الطباع، محافظ يلتزم في التدريبات والنوم المبكر.
السؤال المطروح: كيف تعاطى وسطنا الرياضي والإعلامي مع هذا الأسطورة؟ معظمنا سمع أو قرأ قبل بضعة أسابيع قيام إدارة نادي لوس أنجليس ليكرز بوضع تمثال برونزيّ لنجم كرة السلة "كريم عبد الجبار" كأفضل مسجل في تاريخ الدوري الأميركي، وهي واحدة من سلسلة التكريمات التي نالها.. نعم إنها ثقافة المجتمعات المتحضرة التي تتسابق في تكريم مبدعيها وفي تقدير عطاءاتهم وتضحياتهم ومنجزاتهم الوطنية، ويقابل ذلك في وسطنا الرياضي نوع من الجحود غير المبرر وهو الأمر الذي يحز في النفس; وإلا هل يعقل أن لاعبا بحجم الأسطورة "خلف" والذي لطالما احترم ودافع عن لون القميص الذي يرتديه وأعطى كل ما في جعبته لخدمة الوطن أن تكون نتيجة ما قدمه أن يحزم حقائبه من ناديه (أحد) على غير عودة، لنفتح بذلك قوسا ونتساءل: لماذا؟ ولماذا كبيرة؟ وهو اللاعب الذي عاصر ثلاثة أجيال منذ 1399هـ، وهو الذي فرض اسمه على مدى ثلاثة عقود بلا توقف.. لماذا؟ ومما يؤسى له أن الإعلام الرياضي ورعاية الشباب لا تقيم وزنا للرياضات المختلفة! كنت أنتظر فقرة ولو صغيرة عن هذا البطل العالمي من مقدمي البرامج الرياضية أمثال: بتال القوس أو تركي العجمة أو عادل الزهراني أو وليد الفراج أو مصطفى الأغا ولكني لم أجد شيئاً.. لماذا مرة أخرى؟
تخيلوا معي ماذا لو تم تكريم الأسطورة في أميركا، وهو ليس عنهم ببعيد، فهم عشاق كرة السلة وخصوصا أنهم يمتلكون قاعة خاصة أنشئت عام 1959 فقط لتكريم مشاهير كرة السلة؟ أترك الإجابة للمسؤول!
ختاما: أشكر الأستاذ "إبراهيم حسون" معلم التربية الرياضية الذي أتاح لي فرصة التواصل مع زميله الأسطورة والذي يُدرس معه في مدرسة أبي الطيب المتنبي الابتدائية في المدينة المنورة.