حوار ٌبين أب وابنه..
الابن: لقد ضربني زميلي اليوم في المدرسة؟
الأب: أمتأكد أنك لم تكن البادئ بضربه!
وهناك بين أم وابنتها..
الابنة: لقد وبختني المعلمة اليوم؟
الأم: أكيد كنت مشاغبةً أو مقصرة!
وهنا وهناك، أخرسَ الآباء أبناءهم، وجعلوا إرهاصات (حوارنا) الذي ندعيه يذهب سُحقاً لأدراج مؤسساته واجتماعاته وكل القرارات المرّحبة به، أو الخائفة من وجوده أصلاً!
ولذلك فقط، يتحول الآباء في نظر أبنائهم إلى قضاةٍ ومحققين يعتقدون أنهم يبنون لهم تُهماً دون كلفة بحثٍ عن الحقيقة بالحوار (فقط)؛ كما انتقل الآباء من أصدقاء حقيقيين ينبغي أن يكونوا، إلى أشخاص يبحثون عن تهمة لضحية يؤنبونها، من مبدأ جهل (الحرص) الأبويّ.. الذي قد يمتدّ إلى نظرات العيب وماذا يقول النّاس عنّا؟!
إن ذلك الإنسان الصغير (العظيم) دائماً ما يبحث عن لفت الانتباه له منذ سنته الأولى.. يصفق لك، أو يؤشر بيده الطاهرة لجميع من يقابله.. وعندما يبدأ في المشي يهرب لتلحقه... يكبر ويزداد ذلك (الاحتياج)، وما بين الأقواس من ثقةٍ وصداقةٍ وحوار دافئ وعالم من (الإيجابيات) التي أضعناها!
في مجتمعنا تبدأ مقاومتنا لأبنائنا مبكراً، بدءا بالانتقاد ووصولاً إلى اللامبالاة بما يقولونه، دون انتباه لما يحتاجونه من مناقشة حقيقية هادئة تحفها المشاعر الصادقة، والانتباه المفعم بالإصغاء، والممتلئ دفئاً وفي الوقت المناسب كذلك، وهذا ما نجده يتناقض مع سلوكيات البعض في مجتمعنا، إن كان الجالس أمامه رئيسٌ في العمل أو مسؤول مهم، وهنا مما لا يستوعبه الكثير، أن آداب المناقشة مع الأطفال هي نفسها آداب المناقشة مع الكبار.. بل تزيد وتصبح أكثر حدوداً في كل الاتجاهات.
"لورانس شابيرو" مؤسس ورئيس المركز الخاص بعلم النفس التطبيقي في بنسيلفينيا يقول عن محور حديثنا: "إن على الأب أو الأم أن يضع نفسه في حالة اهتمام وتعاطف وأن يستمع للابن بجدية وتفاؤل، تقابل عيون الأب أو الأم عيون الابن بمحبة. وإن من الضروري في هذا الموقف أن نجبر أنفسنا على أن نؤجل اللهجة الموجهة أو الآمرة وأن نسمح للحب أن يطل من أعيننا، هنا ينتقل هذا الإحساس الجميل إلى أعماق الابن، وهنا لن يلجأ الابن إلى الصمت أو الشكوى منك ومن أوامرك أو التوسل إليك حتى تمتنع عن عقابه، وفي العادة إذا ما قابل الأب أو الأم الابن بلهجة فيها أوامر وتوجيهات ونصائح وتهديد بعقاب، فإن الابن ينزلق إلى الصمت، أو إلى الشكوى من الأب وإلى الأب، إلى التوسل إلى الأب حتى يمتنع عن تنفيذ تهديده بالعقاب.
إن الابن في مثل هذه الحالة لا يعير أذناً صاغية إلى كلمات الأب أو الأم، تماماً كما لم يعر الأب أو الأم أذنيه إلى الطفل، لكن الأب إذا ما استمع إلى الابن جيداً وبروح من الصداقة وبأسلوب غير ناقد، يتحول الابن إلى صديق رائع لأبيه، إن إحساس الابن بأن الأب أو الأم قد استجاب له في التفكير والمشاعر إنما يربط روح الأب برباط روحي بحيث تعمل نية الابن ونية الأب بإيقاع منسجم".
ويبقى منعطف آخر من الأسئلة اليومية، ما أول سؤال (تقابل) به ابنك بعد يوم دراسي ممل في مدارسنا الجاذبة (المفعمة) بكل أنواع البهجة والترفيه العلمي؟! هو مسلسل يبدأ بماذا درست اليوم؟ أكنت هادئاً اليوم أم شاغبت؟ متى حددوا جدول الاختبارات؟ هل أحضرت تقرير درجاتك الشهري؟... ثم نختم بأجمل اسم استفهام كميّ نستعمله في تعليمنا.. (كم) درساً أخذته اليوم؟ وكم واجباً عندك اليوم، وكم درجة حصلت عليها..؟ حتى يتمنى الابن إذا ما دخل إلى المنزل أن يعود أدراجه من أسئلة متعبة تدعو للكدر والتذمر لأنها لم تكن في وقتها، وكما قيل: "كأنك تسأل شخصاً بعد انتهائكما من تناول وجبة دسمة هل أنت جائع الآن"؟
أخيراً، دعونا نتخيل أن ذلك الابن يعرف أن والديه دائماً سيدخلان معه في نقاش حميم مفعم بالإصغاء والتفاهم الخالي من التهديد والاستجوابات الدراسية المملة والاتهامات الموجعة، أعتقد أننا هنا ربما نقول إنه سيعود من مدرسته إلى المنزل ركضاً لأنه يشعر أنه يتمتع بود وصداقة مع أفراد أسرته.. ولأنه أيضاً تخلص من يومه (الدراسي)!