يقول شوبنهور: (إن أكثر الناس جدية، هم أكثرهم قابلية للضحك من قلوبهم، عندما تظهر عمليات تناقض بين ما يتصورونه وما يدركونه بفعل بعض المواقف غير المتوقعة).

لقد اهتم العصر الحاضر بدراسة فسيولوجيا الضحك، وما يحققه من استجابات انفعالية ومقاومة ضد القلق والإحباط والاكتئاب، بل هو حالة من التطهير الجماعي للانفعالات السلبية، وظاهرة (الضحك) لم يغفلها التراث العربي، فهو مقسوم بين مؤيد ومعارض، كما يقول شاكر عبدالحميد. وقد لخص الغزالي وجهة نظر الإسلام حين قال: (وأما المزاح فمطايبة وفيه انبساط، وطيب قلب، فلم ينه عنه، فاعلم أن المنهي عنه الإفراط أو المداومة، أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب، والهزل فيه واللعب مباح، ولكن المداومة عليه مذمومة، وأما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك، وكثرة الضحك تميت القلب، وتورث الضغينة في بعض الأحوال، وتسقط المهابة والوقار).

ولكن دعابات حسن السبع، لم تسقط مهابته ووقاره في ديوانه (ركلات ترجيح)، بل قدم تجليات وتأملات لغلواء بعض الصور الاجتماعية المتخلقة داخل الذهنية المعاشة، فالمتأمل لتخريجاته الشعرية الساخرة، يلمح ذلك التبرم من بعض العلائق والأفكار المتواترة في محيطه، لقد حاول ترويض ذلك المكشر حين صرخ فيه: مكشر لم يبتسم مرة – قد بز بالتكشير أقرانه، له فم لكنه موصد – لا تنسف النكتة أركانه، يحاذر الضحك وأسبابه – خشية أن يفقد أسنانه.

ينعى السبع نصرته للشعر، والذي أودى به ضمنيا إلى تضئيل رصيده المادي، وانحساره في مفارقة مأساوية، وشعرنة منكسرة أمام الصراف: (لولا الحياء لعادني استعبار) – لما جفاني الين والدولار، ووقفت أسأل عن رصيدي آلة – صماء تقطن جوفها الأخبار، فترددتْ خجلا وعدت أحثها – فتراقصت في الشاشة الأصفار، هي رأس مالي منذ أصبح شاغلي –.

لم يحتمل السبع ذات ليلة الإصغاء إلى دمدمات وحذلقات شاعر بائس، حين أمطر الحضور بلغة خشبية وعقيمة وطامسة للذوق والجمال، فروى القصة لصديقه قائلا: مسك المكروفون طيلة ساعة – شاعر بارد سئمنا سماعه، كان مثل الدلال ألفى (حراجا) – مستباحا من مشترين وباعه، وطلبنا من غلبنا (إسبرينا) – فلعل الأقراص تشفي صداعه، وتمادى فقام فاعل خير – (فهلوي) وعطل السماعة.

ضاق السبع بالقاموس البيروقراطي فأنشد قائلا: إذا تعينت رئيس مصلحة – فاحفظ من القول المفيد أصلحه، للعلم للتعميم للإحاطة – بساطة ما بعدها بساطة، أضف لها التحقيق والإفادة – من مفردات صاحب السعادة، وجملة تسيل بالسلاسة – (تحال للمختص للدراسة)، أو كلمة هنية في اللفظِ – مريحة يدعونها (للحفظِ).