سأتحدث في مقالي هذا عن المراهقات السعوديات فقط، مع يقيني أن هناك من السعوديات من تصل إلى الأربعين وهي فيما يخص الرجل تحمل تفكير مراهقة لأسباب اجتماعية وبيئية وتعليمية، وبيانات الهيئة التي تتحفنا بها كل يوم ممتلئة بقصص الطبيبات والمعلمات وأستاذات الجامعات الواقعات ضحايا ابتزاز أنصاف متعلمين مثل سائقي الليموزين والسباكين والبائعين!! تؤكد ذلك.

قبل عامين قبضت الهيئة في الرياض على فتاتين 15 و16 سنة في خلوة في سوق مع شباب، وكما الإجراءات تم تسليمهما لوالديهما بعد إبلاغهما "بجريمة الفتاتين" دون أي إجراء يكفل للفتاتين حماية على الأقل من القتل، وهو ما يكون عادة عقاب من تؤدي تصرفاتها إلى المساس بشرفها، كما هو معروف في مجتمعاتنا العربية؛ لذا وبينما الفتاتان تهمان بصعود سيارة والدهما أمطرهما شقيقهما بوابل من الرصاص.

في نفس هذا الوقت كانت مراهقة أخرى في مدرسة في مكة وفي الصف الثاني المتوسط تحديداً قابعة خلف أمواج من الطالبات في فصل ضيق لا يكاد يصلها صوت المعلمة، تحدث نفسها بحكايا الحب التي شاهدتها في مسلسل تركي في قناة من القنوات التي غمرتنا بكل ما يشعل العواطف من مسلسلات وأغانٍ وأشعار ليس من بينها بالتأكيد البيت الصادق الوحيد لنزار قباني "الحب ليس رواية عربية بختامها يتزوج الأبطال".

في عقل الصغيرة كانت تُنسج خطة كيف تهرب من المدرسة مع الحبيب المزعوم لتقضي معه يوماً دراسياً تعود بعده للبيت "ولا من شاف ولا من دري".

في الحقيقة، الدراسات النفسية تؤكد أن المرأة - وليس فقط المراهقة - عندما تقع في الحب لا تفكر في العلاقة الجنسية، بل جل اهتمامها ينصرف نحو تفسير العلاقة روحياً؛ لذا فهذه المراهقة لا يمكن أن تكون توقعت من العاشق المزعوم أكثر من تقاسم الآيس كريم والضحكات على شاطئ الكورنيش، ولا أظنها توقعت اغتصابها من قبله، ومن ثم تناوب ثلاثة آخرين في اغتصابها من نفس جنسيته الآسيوية، ثم رميها أمام حاوية زبالة في جدة!!

أمضت الفتاة عدة أسابيع في المستشفى وادعت اختطافها، ثم ثبت عكس ذلك، وبعد عامين حكم القاضي بجلدها وسجنها، ثم كالعادة سلمت لوالدها الذي قرر قتلها ولم تبلغ السابعة عشرة بعد!!

الحب بحد ذاته ليس خطيئة ولا ذنباً؛ لأنه لا خيار لنا فيه، لكن ما يليه من سلوكيات هي التي تُصنف خاطئة أو غير خاطئة.

في دورة عن تغيير السلوك ذكر الدكتور عمر الأنديجاني أن تغيير السلوك يمر من خلال تعميق الإدراك؛ لذا مقولة "افعل ذلك؛ لأني أبوك وأفهم منك" لن تغير سلوكيات خاطئة، إذا أردت أن تغير سلوك أحد فعمق إدراكه. إن المراهقات لا يملكن الإدراك الكافي ليكون سلوكهن سليماً، بسبب أن الإدراك أهم موارده التجربة الحياتية، وهو ما تفتقده المراهقة.

لذا إذا أحبّت شخصاً كبيراً ليس مراهقاً يجيد التخطيط لاستغلالها تكون قد وقعت في مصيبة الإيذاء المنتهي غالباً بالاغتيال. وأسميه اغتيالاً لأنها فقط الكلمة التي يمكنها التعبير عن سلب صبية حياتها.

إن حماية المراهقة من التعرض لكل ما سبق تكمن في شغل وقتها، وللأسف لا توجد أندية رياضية أو ثقافية، لا توجد مسارح تقدم لهن المتعة والتسلية وتذكي في دواخلهن روح التنافس ولذة الاكتشاف، لديهن فقط القنوات الفضائية. والشيء الوحيد الذي أخبرتهن القنوات بأنه مميز ويحدث المفاجآت هو الحب.. واليوم لديهن إنترنت وبلاك بيري، والأسواق تعج بمن يعرفون جيداً أن التحرش بالمراهقات سهل ولا يعد جريمة عظيمة ككل دول العالم التي تصل العقوبة فيها لثلاثين سنة. لذا دعونا نتحدث عن الطرف الثاني في القضية وهو الرجل، هل يفرق القاضي بين رجل راشد قبض عليه في علاقة مع مراهقة وبين رجل قبض عليه وهو في علاقة مع امرأة راشدة؟

إن الشابين اللذين كانا في اختلاء مع فتاتي الرياض اللتين تم اغتيالهما لا شك في أنهما لم توجه لهما تهمة، فالهيئة عادة إما تستر أو ترفع الأمر للقضاء الذي يحكم عادة بشهرين على الأكثر، ولا تحسب كسابقة. أما الفتاتان فتقول الجهات المختصة والهيئة إنهم يعتبرون تبليغ الأسرة ستراً وينتهي الأمر عند ذلك.

في الواقع، تبليغ الأسرة وتسليم الفتاة لها دون أخذ ضمانات كافية، أو جمع الأسرة بأخصائيين نفسيين واجتماعيين هو حكم بالإعدام والاغتيال على الفتاة ببساطة، لذا نحن أمام خلل كبير في بعض الأنظمة والإجراءات، فطرف يمضي في حياته وطرف يقتل.. طرف راشد وعاقل غالباً لا يلحقه شيء، لا مجتمع يذمه لكونه رجلاً، والرجل لا يعيبه شيء، وطرف مراهق صغير غير مدرك يتم تسليمه لمن يقتله ويغتال أنفاسه بعدما اغتال شخص راشد براءته.

إن هذا - ولا شك - ظلم نتج عنه تمادي الراشدين في التعدي على أعراض المراهقات في بلادنا، ولا يمر يوم إلا ونسمع عن قضية هروب مراهقة، ثم ينتهي الأمر بمقتلها، وبعضهن هرب إلى دول مجاورة، ومن الأكيد انتهاؤهن ببيع أجسادهن بينما نحن صامتون.

إن حماية المراهقة تبدأ أولاً بمعرفة خواص هذه المرحلة من قبل الأسرة والمدرسة والهيئة والشرطة والقضاة، وعدم تجاهل ذلك في طريقة التعليم والرعاية والحفظ.

إن حماية الفتاة المراهقة يجب أن تشغل الجميع، وخاصة وزارتي العدل والداخلية، بالاتفاق على ترتيب عقوبة شديدة على كل من يتحرش بمراهقة كائناً من كان، بفرض عقوبات مشددة، وإلزام القضاة بمراعاة سنهن، وتوفير الداخلية ما يكفل حمايتهن لضعف إدراكهن لعواقب الأمور وسوء نية الراشدين الذين يورطونهن في قضايا أخلاقية.

إن كل ذلك من المفترض أن يتم، حتى لا يغتال أب صغيرته التي كان يطعمها ويغني لها ويحكي لها القصص الصغيرة قبل سنوات قليلة.