أطبق صمت ثقيل لثوان معدودة، فلم يعد هناك أي همس لنحو 80 ألف متفرج احتشدوا قبل تلك اللحظات بأكثر من 3 ساعات في الملعب الأولمبي في لندن أول من أمس.

كان ذلك الصمت ينذر بأن شيئا كبيرا على وشك الحدوث، وجاء متزامنا مع اتخاذ العدائين الثمانية الذين بلغوا نهائي 100 متر وضعية الاستعداد للانطلاق في الـ100 متر الأخيرة قبل الظفر بميدالية أولمبية.

لم يطل الصمت سوى ثوان، ثم انفجر الجميع بحماسة توازي السرعة الانفجارية التي انطلق بها الجامايكي أوستن بولت، ليؤكد أنه أسرع رجل في العالم، محطما الرقم الأولمبي، مسجلا 9.63 ثانية.

بلغت الحماسة ذروتها، ووقف كل من في الملعب على قدميه، ولم يعودوا لمقاعدهم بمجرد انتهاء السباق، بل استمروا وقوفا مصفقين لبولت، الذي كان يدور دورة شرف حول الملعب برفقة مواطنه يوان بليك، الذي حل ثانيا مسجلا زمنا قدره 9.75 ثانية.

كانت المدرجات تصدح بصوت واحد "أوستن.. أوستن"، وبدا أن النجم الجامايكي يعرف تماما كيف يصنع نجوميته، وكيف يداعب الجماهير بحركات محببة، لذلك انتزع عاصفة من التصفيق عند تقديمه للجمهور من قبل المذيع الداخلي قبيل سباقي نصف النهائي والنهائي أمس، كما فرض على الجميع الهتاف باسمه في النهاية.


ليلة أم الألعاب

كانت أمسية أول من أمس هي بحق ليلة أم الألعاب، فقد شهدت نهائي 100 متر رجال، ونهائي 3 آلاف متر موانع، ونهائي 400 متر سيدات، ونهائي رمي المطرقة، ونهائي الوثب الطويل للسيدات، ونصف نهائي 1500 متر، إضافة لعدد من التتويجات وأنصاف النهائيات في ألعاب أخرى.

قبل أكثر من ساعة من انطلاقة كل هذه الإثارة كان الجمهور يملأ أرجاء الملعب، حتى إن الإعلاميين أنفسهم كانوا يجدون صعوبة في الحصول على مقعد في ظل الزحام الشديد، وفي ظل إقبالهم جميعا، وحرصهم على متابعة الحدث.

قبل يوم من انطلاقة منافسات القوى زرت الملعب الأولمبي، وشاهدت التحضيرات الأخيرة عليه، كان عدد هائل من كاميرات التلفزيون مُعدة لنقل الوقائع، وكان المخرج يعطي تعليمات أخيرة في توزع الكاميرات، وحركة المصورين.

كانت حركة المجاميع داخل الميدان مفهومة ومنظمة للغاية، وتمنع التداخل بين السباقات المتزامنة التي كانت تقام في ذات الوقت.

كانت صناديق بلاستيكية توضع عند علامات الانطلاق لكل متسابق، وكان يضع فيها ملابسه، ويحملها أحد أفراد الفريق المعني بخدمة المشاركين، لكنه لايتحرك وحيدا، بل يضع الصندق بين يديه، ثم يقف منتظرا إشارة من قائد المجموعة، وعند إعطاء الإشارة تتحرك المجموعة بكاملها في نسق واحد لتنقل الصناديق من المضمار.

وكانت الموانع التي نصبت لسباقات الـ3 آلاف متر للرجال، و400 متر حواجز للسيدات تزال من على المضمار بطريقة غاية في الانضباط، حيث كان قائد يتحرك أمام مجموعة من 8 عاملين، يصطف الجميع كل أمام حاجز، ويعطي القائد الإشارة فينحني هؤلاء ويحملونها ثم يقفون منتصبين، وعند إشارة جديدة كانت المجموعة تنقسم إلى قسمين، تضع كل مجموعة حواجزها بشكل متقابل، ثم تتلقى إشارة جديدة لتتحرك للأمام نحو حواجز تالية، فيما تأتي مجموعة ثانية تتحرك خلف سيارتين مخصصتين تقفان جانبي الحواجز، وبإشارات من قائد المجموعة الثانية ترفع الحواجز، وتوضع خلال ثوان فقط على السيارتين اللتين تتحركان من جديد لحواجز جديدة.

أما في الميدان فكانت هناك أربع سيارات صغيرة، هي في الحقيقة سيارات ألعاب الأطفال، التي تعمل بأجهزة التحكم عن بعد، كانت مهمتها إعادة المطرقة التي يرميها الرماة.

كان الحكم المختص يرفع المطرقة من على العشب، ويضعها في صندوق السيارة التي يحركها من يتحكمون بها.


حركات خاصة

لكل نجم حركاته وردة أفعاله التي تتحول مع الوقت إلى "علامة فارقة" تعطيه خصوصيته.

كلما كانت الكاميرا تقترب من وجه بولت، خلال مراحل تقديمه للجمهور قبيل السباقات كان يرسم بأصابع يده اليمنى حركة من يجري، وحينما أنهى النهائي متفوقا ومؤكدا أنه الرجل الأسرع في العالم، أحنى ركبتيه ومد ذراعه اليسرى حتى أقصاها متجهة للأفق البعيد العالي، فيما كانت اليمنى تشكل امتدادا لها، وإن كانت منحنية مطوية من منتصفها.

بدوره كان الأميركي جاستن جاتلين الذي توج بالميدالية البرونزية لسباق 100 متر بزمن 9.79 ثانية يؤدي التحية العسكرية عند تقديمه للجمهور. في المقابل كان العداء السعودي محمد شاوين، الذي خرج من تصفيات نصف نهائي 1500 متر بحلوله سابعا في المجموعة الأولى بزمن قدره 3.43.39 ثانية، يلوم نفسه على تأخره بأن ضرب فخده كثيرا بيده، ثم وضع كلتا يديه فوق رأسه متأسفا للخروج المر، لكن خروجه كان واردا، وهو الأقل حجما من حيث البنية من جميع منافسيه، كما حشر وسط مجموعة من العدائين بعد اللفة الأولى، وحينها تعرض ـ حسب ما ذكر ـ لكثير من الدفع والضربات.