كان المتفرج الذي يعبر أمامي ماراً من بوابة الأمن في المجمع الأولمبي يحمل كيساً من النايلون مليئاً بمشتريات شخصية بسيطة، وضعها في علبة بلاستيكية على (سير) التفتيش، لكن رجل الأمن ابتسم في وجهه معتذراً "لديك ماء وعصير.. عذراً لا نستطيع السماح بإدخالهما.. بإمكانك أن تشربهما هنا، أو تتخلص منهما ثم تدخل".

رفع المتفرج حاجبيه مستغرباً، لكن التعليمات كانت صارمة بمنع دخول أي منتج مماثل لما ينتجه أي من رعاة الدورة الأولمبية.

لوهلة يظن الداخل إلى المجمع الأولمبي أنه سيكون معزولاً في الداخل، لكن الأمر في حقيقته مغاير تماماً.. ثمة حياة كاملة هناك.. ربما لا ينقص الداخل سوى فراشه ووسادته إذا ما أراد النوم، لأن كل المتطلبات الأخرى تبقى متوفرة.

تتناثر الصالات والملاعب في جنبات المجمع، لكن ثمة حياة تنتشر في الشرايين الموصلة إليها.. هناك مطاعم، ومحلات للمأكولات السريعة، ومحلات لبيع العصائر والمياه، ومحلات بيع التذكارات والشعارات، وكلها تترتب بشكل لافت، وتعلن عن بضاعتها بكثير من الرقي والوضوح، وتنتشر في الأروقة طاولات يمكن الجلوس عليها لتناول وجبة خفيفة قبل العودة إلى الملعب.

لكن الأسعار لا تبدو رخيصة، فهي ترتفع فعلاً عن سعر السوق، حيث يصل سعر زجاجة المياه ذات عبوة الـ330 مللم إلى نحو 1.6 جنيه إسترليني (9.4 ريالات).

لكن مقابل الأسعار المرتفعة، هناك شركات تستثمر المناسبة بكثير من الذكاء، فقد بنت شركة موقعاً داخل المجمع، يلتقط صوراً مجانية للراغبين، تكون خلفيتها الإستاد الأولمبي، وتطلب منهم أن يستلموها عبر شبكة الإنترنت بالدخول إلى موقعها، وتزودهم بكود خاص يمكنه عبر إدخاله الحصول على صورته.

وتصطف الطوابير طويلة أمام الموقع للحصول على صورة تضمن الشركة خلالها دخولاً أكبر على موقعها وترويجاً أكثر لمنتجاتها.

عقود بالجملة

ويتزاحم نحو 51 راعياً في أماكن إقامة الدورة، بينهم 11 راعيا دوليا كبيرا، وحقق بقية الرعاة 3.2 مليارات يورو، وأمام هذا الكم الكبير من الرعاة، الذين تتيح لهم عقودهم مع اللجنة المنظمة أن يستضيفوا عدداً من الزبائن والعملاء، لا يبدو غريباً أن تصادف عن كل بوابة شخصا يحمل لوحة يتجمع عندها عملاء هذه الشركة أو تلك لينتقلوا بعد ذلك بواسطة نقل خاصة إلى موقع ثان.

ابتسامات

ووسط هذا الضجيج، والأسعار الكبيرة للمأكولات والمشـروبات داخل المجمعات، تبدو الابتسامة السلاح الأقوى الذي تشهره لندن لإكرام ضيوفها..

تصادفك الابتسامات منذ أن تضع قدمك في محيط الملاعب.. آلاف المتطوعين يبدون الاستعداد لخدمتك.. كثيرون منهم يرتدون كفوفاً إسفنجية يشيرون بها حتى دون كلام للاتجاه الذي يجب أن تسلكه..

مع ختام منافسات اليوم يصطف هؤلاء على جانبي الممرات المؤدية إلى خارج المجمع، وصولاً إلى محطات الميترو وبقية وسائل النقل العام يلوحون بأذرعتهم، يقولون بصوت مرتفع "مع السلامة.. نريدكم أن تحضروا غداً.. تمتعوا بليلتكم".

وما بين القدوم والوداع، ينتشر هؤلاء المتطوعون في كل مكان.. يهيئون أماكن لحفظ عربات الأطفال الرضع الذين حضروا مع ذويهم، ويقودون عربات كهربائية مخصصة لنقل الكبار أو الراغبين بين الصالات والملاعب، ويقفون على أبواب الدخول والخروج يسألون القادمين "عذراً.. هل أرى تذكرتك؟".

لم أصادف على مدى أكثر من ربع قرن متطوعين بهذا الأدب الجم في التعامل مع المجاميع المتحركة بلا توقف، ولعل الابتسامة بقيت من أهم أسلحة لندن لتقديم أولمبياد خاص.

وإضافة للمتطوعين حرصت فرق من الهواة، ومجموعات من الشباب والصبايا على تقديم عروض للموجودين داخل المجمع فيها الغناء والرقص والطرافة، وكان الأجمل أن بعض الجماهير اندمجت فشاركت الراقصين رقصهم، والعازفين موسيقاهم، وكان الأكثر طرافة أن مشجعاً هولندياً وجد مجموعة من الشباب يعزفون على آلات نفخية فأخرج ناياً بلاستيكياً كان يحمله، واقتحم وسطهم عازفاً مثلهم، راقصاً بحماسة أشد منهم، فانتزع تصفيق المارة الذين اصطفوا لمتابعة العرض.