أي حديث أمين وآمن مع مصر لا يجب أن يتوقف عند الجذوة الملتهبة بل يجب أن يذهب إلى الجذور في الصورة الأصل: كيف بدأ الحريق؟ في الخطأ التاريخي ما بين الناخب والرئيس المنتخب. أربعون مليوناً يذهبون لصندوق الاقتراع على العقد الاجتماعي في برنامج فخامة الرئيس وهم بالطبع يدركون كل فقرة في برنامجه الانتخابي بملفاته الأربعة: حجم رغيف الخبز وزحمة السير عند إشارة المرور ونظافة الشارع العام. ملفات تصلح بامتياز لمسؤول صوامع الغلال ورئيس قلم المرور ومدير عام الخدمات بالبلدية، ولا تليق أبداً برئيس دولة بحجم مصر وتاريخ مصر وواقع ومستقبل مصر. ومرة أخرى ليست هذه جناية (الجماعة) على مصر فحسب، بل أيضاً هي الكارثة التي لا بد أن يمر بها أي مجتمع في السنة التحضيرية لجامعة الديموقراطية. زعيم من أجل الخبز والمرور ومستوى النظافة. هيلمان مكثف من الدعاية الانتخابية الجارفة دون أن يقف الناخب على السؤال الأهم: لماذا وكيف؟ حشد تنظيمي يدفع بأربعين مليوناً لاختيار المرشح (الاحتياط). مرشح (آخر ساعة) ولو أن قدر مصر أن تختار (روبوتاً) يعمل عبر (ريموت) من جبل المقطم، وكلنا نكذب على مصر ونخون مصر إن لم نقل لها هذه الحقيقة. نغش الشقيقة مصر لأن أحداً لم يقل الحقيقة؛ أن ثلث ناخبيها لا يقرؤون بطاقة الاقتراع ولهذا كان الخبز والمرور والنظافة أوتاراً تلعب عليها (الجماعة) حين تتحالف أسوأ الظروف: التنظيم مع الأمية والحاجة. وحين يظهر في مصر صوت وطني شارد ليهمس خفية بالقول إن سبعة ملايين (أمي) كانوا في طوابير الصناديق تبدأ أسطوانة الجماعة بالخيزران والسوط: لا أحد يعتدي على إرادة الشعب ولا نسمح لفرد بالانتقاص منه أو ...... وبدلاً من زعيم وجماعة تتحدث في برنامجها الانتخابي عن ماذا ستفعل في المئة يوم مع مئة دولة ومئة شركة من عابرات القارات وكيف (تهبط مصر) توزعت الجماعة إلى أربع قبائل. ثلاث للخبز والمرور والنظافة، ورابعة تستوطن الفضائيات لتبشر الملايين بأنباء مشروعها عن (نهضة مصر). تمخض المشروع عن حجم الرغيف. المشكلة أن أحداً لم يصدق مع مصر.