عيد الظفيري
انتهى الفصل الأول من فصول الربيع العربي وحمل معه مفاجآت لم تدر بخلد جهابذة صناع السياسة على المستويين العربي والعالمي. ولم تكن القراءات المتوالية في خضم الربيع العربي لكل حدث تمر به المنطقة العربية سوى سباق على استشراف الآفاق برؤية لا تخلو من الإفراط في التفاؤل اللامنطقي بعهد زاهر في ربوع الديموقراطية المنصفة للإنسان والأوطان بعد سنوات عجاف من الحكم الشمولي لأغلب الأنظمة العربية البائدة. اليوم نقف على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخ السياسة العربية المعاصرة, مرحلة تمثل طموحات وأحلام تشكلت على مدى أكثر من نصف قرن بعد خروج المستعمر الأجنبي مرغما دون رجعة. اليوم يحق لنا أن نعيد قراءة التاريخ السياسي برؤية عميقة متوجسة لكل التداعيات التي نعيشها في الوقت الراهن ونقارنها بما مضى من الحوادث المشابهة كي لا يعيد التاريخ نفسه ويقضي على تلك الأحلام والطموحات خاصة أن الانتخابات في بلدان الثورات العربية أسفرت عن فوز أحزاب دينية تحمل رؤية مغايرة تماما عن الحكومات السابقة, صوت لها الناخب الثائر والأمل يحدوه بغد مشرق. لكن ماذا لو استغل أعداء الديموقراطية حق خوض غمار المنافسة الانتخابية في أجواء ملبدة بسحب الانتقام وتصفية الحسابات في بيئات لم تشهد طوال تاريخها السياسي أي مظهر من مظاهر الديموقراطية الحقة؟ كيف ستكون النتائج والمجتمعات لم تتخلص إلى الآن من أوجاع القمع والاستبداد؟ ماذا لو مكنت الديموقراطية أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة من الفوز برئاسة الدول؟ هل ستشهد تلك المجتمعات حراكا سياسيا واجتماعيا يؤسس لديموقراطية حقة؟ أم أن الأحلام التي دفعت أصحابها بأن يضحوا بدمائهم ستذهب أدراج الرياح؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستظل في علم الغيب إلى حين بدأ الفصل الثاني من فصول الربيع العربي الذي سيحمل معه بطبيعة الحال الإجابات المنتظرة لكل تلك الأسئلة. أما إذا أردنا أن نكون منطقيين في توقعاتنا لمستقبل الديموقراطية في بلدان الربيع العربي فلا بد من استحضار التاريخ السياسي المعاصر لندرك كيف استطاعت المجتمعات الغربية المحافظة على مكتسباتها السياسية والاجتماعية في ظل الظروف الصعبة التي تمخضت عن ولادة النظام الديموقراطي في شكله الحالي وكيف استمر النهج الديموقراطي في تطوره التدريجي إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن.
في بداية عشرينيات القرن الماضي كانت البدايات المتعثرة للحزب النازي في ألمانيا حيث لم يكن يحظى بقبول من الشعب الألماني كونه أحد الأحزاب المغمورة جدا ولم يكن يملك رؤية سياسية واضحة إلا أن الحزب ما لبث أن أصبح رقما صعبا في الحراك السياسي في الثلاثينيات من ذلك القرن إلى أن تمكن بعد أن استغل الظروف التي يمر بها العالم أجمع من الوصول إلى سدة الحكم في ألمانيا عن طريق الانتخابات التي هي جزء من المنظومة الديموقراطية.
كان العالم في تلك الفترة يمر بما يعرف بالكساد العظيم التي بدأت أول الأمر في نيويورك حيث إنهار سوق الأوراق المالية وامتد تأثيره إلى جميع أنحاء العالم بما فيها ألمانيا مما سبب أزمة بطالة كبيرة وبالتالي تأثرت الأوضاع الداخلية في ألمانيا تأثرا شديدا هيأ الظروف للحزب النازي لرفع شعارات تلامس وجدان رجل الشارع البسيط الذي لم ينس معاهدة فرساي المجحفة التي فُرضت على بلده من قبل قوات الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى ليستبد بعد ذلك ويفصح عن أيديولوجيته المقيتة ويمارس جميع أنواع الإقصاء للأحزاب المعارضة بحجة المهانة التي تعرضت لها الأمة الألمانية على يد الحلفاء واقتطاع أجزاء كبيرة من أراضيها لدول الجوار.
ما حدث في القرن الماضي من صعود لأحزاب سياسية معادية لمبادئ الديموقراطية مثل الحزب النازي في ألمانيا والحزب الفاشي في إيطاليا عبر إحدى أهم ركائز الديموقراطية ألا وهي الانتخابات لتتولى مقاليد الحكم وتقود مجتمعاتها فيما بعد إلى الدرك الأسفل في السلم الحضاري مقارنة بالدول المجاورة لها, لم يكن بسبب الديموقراطية الفتية في ذلك الوقت بل كان من وجهة نظري بسبب غياب دور مؤسسات المجتمع المدني في تلك الدول لأن النبتة الديموقراطية لا تنمو ولا تزدهر إلا بوجود مؤسسات تلعب ذات الدور الذي يقوم به الماء لإنقاذ الأرض من الجفاف والتصحر.