مع نهايات القرن العشرين انخرط المجتمع السعودي في الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) التي اكتسحت العالم بكل ما توفره من سحر وحيوية وتشويق ومرونة وشفافية وتفاعلية وهامش بلا سقف ، وغواية لكل الشرائح والأعمار. كان من اللافت تهافت عدد من المثقفين على إنشاء مواقع ومنتديات بعضها جماعي وبعضها شخصي ، وذلك في المرحلة الأولى قبل شيوع المدونات ، وتنامى الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي التي اجتذبت نحوها النخب بكل تياراتها وأطيافها، في مواكب رجراجة، لا تخلو من احتقان وتضخم ذوات في أحايين كثيرة ، تلح على توليد أسئلة من قبيل ، هل تفتقد النخب وقادة الرأي منابر تعبير حقيقية تغنيها عن حضور كهذا ؟ وهل جاء هذا الانفتاح التقني معبرا عن نمطية تفكير مغايرة ، ومتسقة مع معطيات العصر ومتطلبات اللحظة الزمنية، متخلصا من حمولات سلبية لحياة قديمة؟

على مستوى مواقع وصفحات المؤسسات الثقافية لاحظ مراقبون أن غالبيتها لم تنفصل عن نمط التفكير الذي تسيّر به نشاطاتها الاعتيادية التي درجت عليها منذ إنشائها حيث الجمود والتشابه والتركيز على الجانب الدعائي ، بل إن حتى هذا الجانب يشوبه قصور، فيما كان راصدون ينتظرون عطاء وآلية تعامل تحدث قطيعة مع آليات التفكير القديمة في التعاطي مع المتلقي ، وبرؤية يراهن عليها كإحدى مستقبليات الوجود الكونية ، خاصة للأجيال الصاعدة في ظل طروحات تذهب إلى احتمال تضاؤل دور الكتاب والوسائل التقليدية كبوابة أولى للمعرفة ، الأمر الذي يحتم على المؤسسات الثقافية السعودية إدراك هذه الخطورة والفكاك من اعتبار مسألة النشر الإلكتروني لا تعدو عن كونها امتطاءً لموضة ما دون تخطيط أو دراسة معمقة تنسف الرؤية التقليدية للعمل الثقافي ، ولم تختلف عن نمط الأداء المتبع في إصدار النشرات والدوريات المتسمة في غالبها بعدم تفاعل المتلقي معها من جهة وعدم تلبية الاحتياجات الثقافية الحقيقية .

وإذا كان مراقبون مازالوا يرون في علاقة الإنسان بالكتاب روابط وقوى لا يمكن للنشر الإلكتروني أن يؤثر فيها أو يزحزحها ، إلا أن المتشائمين منهم لا يترددون في توضيح أنهم ينطلقون في حكمهم هذا من واقع مقارنة سريعة بين مواقع الأندية الأدبية وبعض المواقع الشخصية التي أنشأها عدد من الأدباء الشبان في السعودية ، أو المواقع الجماعية لمجموعة أخرى مثل موقعي ( الزومال ) الذي أنشأه القاص عبد الله التعزي عام 1998 كأول منتدى ثقافي سعودي ، و( القصة العربية ) الذي أنشأه القاص جبير المليحان مطلع الألفية الثالثة ،حيث تتوافر فيهما مساحة من الحيوية والجدية والانصراف عن الطرح الدعائي وتمجيد الذات عوضاً عن التركيز الأساسي على الإبداع بكل أطيافه ، مما يثير تساؤلات عن ماهية الخلفية الثقافية التي تتعامل بواسطتها هذه المؤسسات الثقافية مع التكنولوجيات الحديثة !!. ويؤكد الإلحاح على أهمية حضور الشباب بصلاحيات تنفيذية في المؤسسات الثقافية.