“زمان” حين تذهب لزيارة والديك، أو صديقك، أو خطيبتك، كنت تأتي كاملا، بجسدك وروحك وذهنك، بسمعك وبصرك وفؤادك.. الآن تأتيهم بعض جسد، وبقيّتك مع جهازك المحمول تخبر من خلاله أشخاصا لا تعرفهم أشياء لا تهمهم!.. تتفاعل مع عالم لا يسعد بوجودك.. ولن يبكي على فراقك.
“زمان” كانت الوجوه كتبا، وتعابيرها ذات دلالة، ولقاء العيون حميميا ينقل المعلومات والمشاعر، فما هذا الهوس بالأجهزة والاتصال عن بعد؟ انظروا حولكم أينما كنتم، الكل يحمل بين يديه آلة يعتقد أنه يتواصل من خلالها، وهو في حقيقة الأمر يقطع بها ما كان موصولا مع العالم الحقيقي، ليستغرق في العالم الافتراضي، حيث كل شيء جميل لأنه زائف، يتجالسون وبيد كل منهم جهازه، يتحابون بالواتس أب، ويتهاجرون بالرسائل النصية .- عفوا سيدي العشق – ما هكذا عرفناك!. فقَدَ الكثيرون ممن أحببناهم نكهاتهم الطبيعية، وأصبحوا بطعم البلاستيك، ورائحة الحديد، وألوان الجرافيك..
الذين كنّا نرتاح لكلامهم أصبحنا نرتاب من صمتهم، حتى ملمس أصابعهم في المصافحة تغير بعد أن أعوجت لتلائم وضع لوحة المفاتيح! عيونهم ذلّت للأسفل، وحضورهم صار أسوأ من غياب، وكلماتهم تشبه كل الآخرين في الشبكة إلا هم، الجلوس إليهم ممل، وحين ترى واحدا منهم كأنك رأيتهم جميعا، فقدوا قدرتهم على الاستمتاع بالوجود والوجوه وعلى فهمهما، نحن بشر خلقنا في الأصل لنتكلم لا لـ”نغرد”، نحب لا لنعمل “لايك” ! فإذا التقينا لنتحدث - أرجوك - أطفئ جهازك “الذكي” أو خذه وارحل.