دقائق هادئة وروحانية فيها عدد من الصور التكافلية والاجتماعية لن يعيشها الإنسان إذا لم يجربها في مشهد إفطار رمضان في الحرم النبوي الشريف، حيث الآلاف من البشر من عشرات الجنسيات يجمعهم دين الإسلام.. تختلف لغاتهم وألوانهم وأشكالهم وطريقة لبسهم وحتى مأكلهم ومشربهم، ولكنهم على أرض مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يختلفون في روح الود والسلام والـبشاشة مع بعضهـم البعض.
تلمس هذه الصور النادرة في آخر ساعة من عصر كل يوم، وتزيد اللحظات روعة في الدقائق القليلة التي تسبق أذان المغرب من كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك، فأكثر ما يشدك في هذا المشهد الرمضاني العظيم روح الإثار التي تتجلى من الجميع، ليس فيمن يؤثر نفسه على غيره بشربة ماء أو تقديم تميرات بل يتعدى ذلك لمن يؤثر بجهده لخدمة من يجاوره وحتى من يبعد عنه.
أبطال هذا المشهد الرمضاني أهالي المدينة المنورة، حيث يقيمون من عشرات السنوات موائد إفطار رمضان لزوار مسجد رسول الله، وكما يؤكدون فإنهم في تنافس شريف لنيل شرف خدمة ضيوف مسجد خير الأنام، مبتغين أجر ذلك من الله تعالى، وبذلك لا تجد مساحة متر مربع تخلو من سفر الإفطار، بل ويتعدى ذلك لجميع ساحات الحرم النبوي الشريف، كما لا يقتصر هذا الشأن على مواقع الرجال بالحرم، بل لنساء المدينة شرف التنافس لخدمة زوار المسجد كما هو الحال لرجالها.
حمد الجابري من أهالي المدينة وله سفرة رمضانية بدأها منذ 8 سنوات مضت، يشير إلى أنه أهل المدينة دأبوا على هذه العادة الطيبة منذ سنوات، مضيفا: "منذ كنا أطفالا نشاهد أهالينا يمدون زوار المسجد بالطعام والشراب في شهر رمضان خاصة، ويجهزون لهم الموائد سعياً لراحتهم وعوناً لهم على التعبد في ساعات رمضان المباركة".
وأضاف: ورثنا منهم هذه العادات الطيبة فهم كانوا كرماء على ما كانوا فيه من ضيق العيش وصعوبته، ولكن نحن في عهدنا الزاهر، وسهولة توفير المأكل والمشرب نعتبر، ولله الحمد، محظوظين بشرف هذه الخدمة التي نحرص عليها، ونتنافس عليها لدرجة أن هناك من يدفع ما يسمى" نقل قدم" حتى يترك الموقع الذي عينه لمد سفرة الإفطار لشخص آخر من أهل المدينة لم يجد مكاناً ينافس فيه لكسب آجر الصائمين. وأضاف ابن محمد أن وجبة الإفطار التي يقدمها أهل المدينة لا تخرج عن التمر، وكل شخص ينوع في التمر سواء سكري أو عجوة أو غيره وكذلك القهوة العربية، والخبز والزبادي، وهناك من يحرص على إحضار أنواع جيدة من الخبز مثل "الشريك" أو أنواع الخبز البر وجميعها تكون بنكهة جيدة وخفيفة للصائم، وبالطبع يمنع إدخال أي نوع من الطبخ لداخل الحرم النبوي.
وبين أن العائلة الواحدة تتعاون في تجهيز الموائد من بعد العصر مباشرة، لافتا إلى أن بعض السفر الكبيرة تتم الاستعانة فيها بعمالة بسيطة، مضيفا: "قبيل أذن المغرب نلمس التعاون والإثار بين الحضور في المسجد على خدمة بعض في لحظات هدوء وتسامح، تجعلك تعود بالذكرى أحيانا لتاريخ طيبة الطيبة التي احتضنت الرسول الكريم ودعوته المبـاركة لأصقاع العالم".