لا يخفى على عين المتابع الجيد لواقع الناس وأحوالهم في مجتمعنا انتشار ظاهرةٍ مؤسفةٍ أخذت في الظهور والبروز بشكلٍ لافتٍ للنظر وبصورةٍ لم تكن معروفةً فيما مضى، وتتمثل هذه الظاهرة في أن هناك عددًا ليس بالقليل من إخواننا وأبنائنا صغارًا كانوا أم كبارًا يحلقون شواربهم ويقومون باستئصالها حتى لا يكادون يتركون لها أثرًا يُذكر، فتصبح أشكالهم غريبةً، ومناظرهم مشوهة، وتتغير ملامح خلقتهم حتى لكأن أحدهم يُشبه المسخ والعياذ بالله.
أقول هذا بعد أن فوجئت بعودة ابني الصغير من سفره للدراسة في إحدى كُبريات المدن، وكان قد حلق شعر شاربه الذي لا يزال في بداية ظهوره، الأمر الذي جعل شكله يتغير - في نظري - كثيرًا حتى إنني ظللت أكرر النظر في وجهه لأتأكد مما تراه عيني من عجيب الشكل وغريب المنظر.
وعلى كل حالٍ، فإن مما يلفت النظر أن هذه الظاهرة ليست خاصةً بفئةٍ معينةٍ من أبناء المجتمع، ولا ببيئةٍ محددةٍ منه، ولكنها تنتشر في مختلف الأوساط وبين كل الفئات المجتمعية، فليس غريبًا أن ترى شابًا يافعًا، أو رجلاً بالغًا، أو شيخًا كبيرًا، وقد حلقوا شواربهم واستأصلوا شعرها بالكُلية حتى أخفوا معالم تلك الشوارب.
والمعنى أن ظاهرة حلق الشوارب بالكُلية منتشرةٌ في مجتمعنا بين الكثير من الناس في وقتنا الحاضر، ولاسيما الشباب الذين تُشير بعض التقارير التي تهتم بدراسة هذه الظاهرة إلى أن السبب في انتشارها يعود إلى تأثر الشباب بما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من البرامج المتنوعة التي يكون من نتائجها أن يحلق الشباب شواربهم تقليدًا لمن تُسميهم وسائل الإعلام بالنجوم سواء في مجال الرياضة، أو مجال الفن، أو غيرها من المجالات الإعلامية الأُخرى.
ولو أننا رجعنا إلى رأي أهل العلم الشرعي في مسألة حلق الشارب على وجه الخصوص لوجدنا أنه على الرغم من أن هناك من يرى أن حلق الشارب جائز، وأنه من السُنة كما هو الحال عند بعض الأحناف؛ إلا أن الصحيح كما قال بذلك كثيرٌ من أهل العلم خلاف ذلك، فالسُنة النبوية قد دلّت وأرشدت إلى قص بعض شعر الشارب وليس حلقه بالكلية، فقد جاء في كتاب فتح الباري (10 / 285 - 286) أن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ سئل عمن يحف شاربه (أي يُبالغ في أخذه)، فقال: "أرى أن يوجع ضربًا". وقال لمن يحلق شاربه: "هذه بدعة ظهرت في الناس" رواه البيهقي.
أما علماء الشريعة في عصرنا الحاضر فقد قال الشيخ محمد بن عثيمين (رحمه الله) في "مجموع الفتاوى" (11 / باب السواك وسنن الفطرة): "..الأفضل قص الشارب كما جاءت به السنة، وأما حلقه فليس من السُنَّة".
ونُقل عن الشيخ الألباني (رحمه الله) أنه كان شديد النهي عن حلق الشارب أو تخفيفه قريبًا من الحلق، حتى إن أحد طلبة العلم دخل عليه في مرض موته، وقد أنهكه المرض، وكان معه رجل قد حفّ شاربه بما يشبه الحلق، فنهاه الشيخ الألباني عن ذلك، وبين له أنه خلاف المشروع.
وختامًا، أتساءل مُتعجبًا ومعي صاحب كل رأيٍ سديدٍ وعقل رشيد قائلاً :
لماذا يُشوه البعض منا جمال خِلقته التي خلقه الله عليها بحلق شاربه والتخلُص منه؟
ولماذا لا نلتزم ونحن أتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم بهدي النبوة الكريم في هذا الشأن فنُعفي اللحى ونقص الشوارب عملاً بقول حبيبنا وقائدنا وقدوتنا الذي صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قصوا الشوارب واعفوا اللحى" (رواه الإمام أحمد في مُسنده، ج 2، الحديث رقم 7132، ص 229).
إنها تساؤلاتٍ أطرحُها لكل ذي لبٍ وفهمٍ، وعسى أن يعيها كل أبٍ، وكل أخٍ، وكل معلمٍ، وكل مسؤولٍ، وكل مسلمٍ يخاف الله تعالى ويتقيه، والله تعالى أسأل التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، والحمد لله رب العباد.