ليس ثمة أدنى شك لدى الدبلوماسي الفلسطيني البارز ناصر القدوة بأن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات قتل مسموماً من قبل إسرائيل غير أنه يشير في حديث لـ "الوطن"، إلى أن التحدي الأبرز الآن هو تقديم المسؤولين عن قتله إلى القضاء.
منذ اليوم الأول لرحيل الرئيس الشهيد، لم ينفك القدوة وهو ابن شقيقة عرفات، عن التأكيد على أن إسرائيل قتلت الزعيم الفلسطيني بالسم، وقال: "منذ اليوم الأول كانت لدينا قناعة بأن الوفاة لم تكن نتيجة أسباب طبيعية وأن هذا الاغتيال قامت به إسرائيل عن طريق السم، وكانت لدينا مؤشرات ودلائل عديدة في هذا المجال، منها قرار إسرائيل بإزاحة الرئيس ياسر عرفات وفرض الحصار عليه لفترة طويلة، والنقاشات التي جرت بين زعماء إسرائيل ومسؤولين دوليين بهذا الشأن، ولكن الأهم كان التقرير الطبي الصادر عن المستشفى الفرنسي الذي تحدث عن دلائل واضحة عن التسميم، فملخص التقرير يقول إنه لا يمكن تفسير الحالة وبالتالي كانت هناك دلائل واضحة تبرر ما تحدثت عنه طويلا".
فالرئيس الراحل وعمره خمسة وسبعون عاما "لا يعاني من مشاكل طبية مزمنة مثل الضغط أو السكري أو أمراض القلب والشرايين أو الكلى ولم يكن مدخنا أو متعاطيا للمشروبات الكحولية أو المنبهات"، بهذه الكلمات لخصت اللجنة الطبية المكلفة بمتابعة الوضع الصحي للزعيم الراحل وضعه الصحي.
وقالت في تقرير نشرته مؤسسة ياسر عرفات حديثاً: "لم يتمكن كادر الأطباء المختصين كل في مجاله من التوصل إلى سبب أو مرض معروف يؤدي إلى الحالة السريرية التي أدت بالنهاية إلى الوفاة". وأضافت: "خلصت اللجنة من الخبراء إلى أن الحالة المرضية لم تكن بسبب أمراض طبية معروفة بل نتيجة التعرض لمادة سمية لم يتم فحصها أو الكشف عن نتيجة فحصها".
العشاء
ويكشف التقرير أن تدهور الوضع الصحي للزعيم عرفات قد بدأ "بعد تناول وجبة عشاء بعدة ساعات يوم 12 أكتوبر 2004 حسب التقرير الفرنسي أو 11 أكتوبر 2004 حسب تقرير الفريق الفلسطيني في رام الله، حيث أصاب المرض الجهاز الهضمي باضطراب وتهيج شديد، ثم حدث مسلسل من الاضطرابات الأخرى بدءا بالنخاع العظمي أدى إلى نقص الصفائح وإلى ظهور خلايا آكلة للدم فقط بالنخاع وأدى إلى اضطراب تخثر الدم، ثم بدأت تظهر علامات مرضية للكبد بارتفاع الصفراء، وأخيرا اضطراب الجهاز العصبي من الخمول إلى الغيبوبة الكاملة ثم الوفاة الكاملة نتيجة نزيف شديد بالدماغ".
ويرصد تقرير موقع من الأطباء عمر دقة ومحمد بطراوي ووليد سويدان وحسن إسماعيل تطور الحالة الصحية للرئيس الراحل منذ ذلك العشاء، فيشير إلى أنه في الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء 11 أكتوبر 2004 وبعد ساعتين من تناول العشاء بدأت أعراض المرض على الرئيس.
ويشير إلى أنه في يوم الخامس عشر من أكتوبر 2004 بدأ شهر رمضان المبارك حيث أصر الرئيس الراحل على الصيام على الرغم من نصيحة الأطباء له بعدم الصيام، واستمر ذلك لعدة أيام، وفي خلال تلك الفترة أجريت له العديد من الفحوصات وتم تحديد عدد من الأدوية له التي أدت إلى تحسن حالته الصحية في الكثير من الأحيان، إلى أن تم نقله من رام الله في الساعة السابعة من صباح 29 أكتوبر 2004 إلى عمان ومنها إلى العاصمة الفرنسية باريس التي وصلها في الساعة الواحدة من ظهر ذات اليوم.
زيادة التدهور
ويقول تقرير الأطباء الفلسطيني" أشار التقرير الفرنسي إلى أن الحالة السريرية كانت تتدهور باستمرار ولكن مع موجات من حصول تحسن ثم زيادة التدهور، لم تنجح جميع العلاجات المبنية على نظريات سبب حدوث المرض في وقف التدهور المستمر؛ ذلك أن جميع الفحوصات التي أجريت لمعرفة السبب من مخبرية أو شعاعية أو تنظير ..الخ كانت سلبية ولم تبين أي سبب إيجابي سواء كان جرثوميا أو التهابيا أو طفيليا أو فيروسيا بما فيها الإيدز أو ورمي أو مناعي ذاتي أو سمومي (من المواد التي تم فحصها)".
وأضاف" كان طوال الفترة يتم النقاش في فرنسا حول سبب المرض حيث أظهرت الحالية السريرية المتلازمات التالية: أولا، متلازمة اضطراب الجهاز الهضمي الذي لم يفسره أي فحص التهابي أو جرثومي أو فيروسي أو أو ورمي أو أية أمراض أخرى معروفة، ثانيا، متلازمة اضطراب تخثر الدم الشديد ونقص الصفائح ، ثالثا، زيادة آكلات الخلايا الدموية بنخاع العظم فقط وليس الجهاز الدوري، رابعا، متلازمة اضطراب الكبد وارتفاع الصفراء دون إنزيمات الخلايا، خامسا، متلازمة تدهور الحالة العصبية من الخمول إلى الغيبوبة".
بقاء الملف مفتوحا
ويشدد القدوة على أنه "واجب مؤسسة ياسر عرفات والشعب الفلسطيني أن يبقى الملف مفتوحا حتى الوصول إلى القتلة وتقديمهم للمحاكمة". وعلى ذلك فيرى القدوة أن النتائج التي وصل إليها التحقيق الذي أجرته قناة الجزيرة من خلال فريق من الخبراء في سويسرا بأن الزعيم الراحل قد سمم بمادة البولونيوم التي تم اكتشاف كميات كبيرة منها بمتعلقات الرئيس الراحل إنما يؤكد صحة ما ذهب إليه منذ البداية بأن عرفات قتل بالسم. وقال: "العمل الذي قامت به الجزيرة بما فيه نتائج الفحص المخبري الذي أشار إلى وجود كمية كبيرة من البولونيوم التي لا توجد إلا لدى الدول التي لديها مفاعل نووي هي الدليل النهائي على ما ذهبنا إليه؛ وبالتالي هو يؤكد القناعة الأصلية ومن ثم فإن الموضوع منته، فقد ثبت أن قناعاتنا كانت صحيحة وهي أننا نتحدث عن تسميم".
طبيب الراحل
في تقرير مفصل قال الدكتور عمر دقة الطبيب الملازم للرئيس الشهيد عرفات: "لقد باشرت المتابعة الطبية للرئيس الشهيد منذ 1988 بشكل مباشر ولم يكن لديه أية شكوى مرضية مزمنة أو معينة حيث إنه لم يكن لديه ارتفاع في ضغط الدم أو مرض السكري أو أمراض القلب والشرايين أو أمراض الكلى أو الجهاز التنفسي أو غيرها. كما أنه لم يكن مدخنا أو متعاطيا للمشروبات الكحولية أو متعاطيا المنبهات كالقهوة وغيرها".
وأضاف في التقرير الذي حصلت "الوطن" على نسخة منه "لقد كان يعاني فقط من رجفة بسيطة في اليد اليسرى تم علاجها والسيطرة عليها بناء على العلاج الذي وصف له من قبل الأستاذ الدكتور أشرف الكردي الذي كان يشرف عليه قبل 1988، لسنوات والذي كانت تربطه بالرئيس الشهيد علاقة ود ومحبة وتقدير له سواء على المستوى الشخصي والمهني، والتي لم تنقطع حتى اللحظات الأخيرة في حياة الشهيد، حيث كنت أستعين به وأستشيره في كل صغيرة وكبيرة من الناحية الطبية نظرا لخبرته ومستواه العلمي، ونظرا لثقة الرئيس الشهيد بالدكتور أشرف الكردي؛ حيث لم يتوانَ عن زيارته في بيته بالأردن ويقوم الدكتور بفحصه وإبداء نصائحه الطبية التي غالبا ما يلتزم بها الرئيس الشهيد؛ حيث إنني أكون بجانبه في منزل الدكتور في أغلب الزيارات".
وتابع الطبيب: "لقد تعرض الرئيس الشهيد سنة 1992 إلى حادث سقوط الطائرة في ليبيا والتي من ألطاف الله لم تصبه بمكروه كبير في وقتها، ولكن لاحقا وبعد عدة شهور بدأ يشكو من الصداع واضطراب في النوم وبالرغم من الفحص الطبي السريري وإحضار أطقم من الأطباء التونسيين من كافة الاختصاصات وبتعليمات من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، فلقد أجمعت الآراء على ضرورة إجراء فحوصات طبية وتحاليل مخبرية وصور أشعة مقطعية للرأس إلا أن الجميع فوجئ برفض الرئيس الشهيد لإجرائها".
وأشار إلى أنه "على إثر جولة عربية له قادته إلى الأردن ولقائه بالأستاذ الدكتور أشرف الكردي وبعد فحصه طلب منه ضرورة إجراء صورة أشعة مقطعية للرأس فوافق وتبين نتيجة الصورة وجود Subdural Hematoma التي استدعت إجراء عملية جراحية طارئة على الرأس في مدينة الحسين الطبية حالا، وبالتأكيد فإن التقارير الطبية العلمية الجراحية توجد هناك حيث كانت العملية ناجحة جدا ولم تكن هناك مضاعفات تذكر".
وقال" إلا أنه وبعد فترة ظهرت لديه رعشة ملحوظة في الشفتين واليدين وقمت باستشارة الدكتور أشرف الكردي الذي حضر إلى تونس وتمت استشارة الدكتور الأستاذ المرحوم المنجي بن حميدة أستاذ الأعصاب بمركز الأعصاب بتونس ورئيس المركز حيث تم الاتفاق على وضع بروتوكول علاجي B-bloquer وكذلك Nootropyl وفيتامينات Arginotri B وكذلك Magnesuim. وتحسنت الحالة الصحية بشكل ملحوظ جدا واختفت الرجفة من الشفتين نهائيا وكذلك من اليدين وبقي على هذا العلاج منذ تاريخه".
خال من الأمراض
وأضاف "لم يتعرض الرئيس الشهيد لأية أمراض تذكر منذ حينه وكانت تجرى له فحوصات مخبرية وصور أشعة الرأس وفحص سريري من قبلي أو من قبل الدكتور أشرف كلما التقيا أو حضر إلى تونس أو الأستاذ المنجي بن حميدة. كما تم إجراء فحوصات طبية وصور أشعة للرأس والرقبة والصدر أكثر من مرة في مصر بمستشفى المعادي وبإشراف نخبة من أساتذة الطب المصريين، ولم يكن لديه أية أمراض تستوجب علاجا آخر أو تعليمات طبية سوى الالتزام بقسط اكبر من الراحة والاستجمام ولم يلتزم بهما الرئيس الشهيد".
وأضاف" في شهر أبريل 2001 وأثناء حصار الرئيس الشهيد حضر وفد طبي أردني برئاسة الأستاذ الدكتور أشرف الكردي وتم معاينة الرئيس الشهيد وإجراء فحوصات تامة لم تكن هنالك أية مشاكل صحية سوى الظروف البيئية السيئة ونقص الأكسجين وسوء التغذية إلى حد ما، وسافر الفريق الطبي الأردني وبقي الحصار على ما هو عليه والظروف البيئية على حالها".
وتابع" في يوم 20/12/2002 وبناءً على شكوى عرضية من سيادة الرئيس من ضعف بسيط في الذاكرة كلفني سيادته السفر إلى عمان والالتقاء بالدكتور أشرف الكردي الذي شرحت له الوضع ووضعته بالصورة الطبية للرئيس الشهيد حيث نصح الدكتور أشرف باستعمال 1000 Vitamine E ملغم مرتين يوميا لمدة ستة أشهر ثم 1000 ملغم يوميا بصفة مستمرة ودون انقطاع".
وذكر أنه "في شهر سبتمبر 2003 وأثناء اللقاءات الجماهيرية الحاشدة للرئيس الشهيد تعرض يوم 28/9/2003 إلى تقيؤ عدة مرات وبعض اللآلام في المعدة حيث تم فحصه واستدعي طاقم طبي فلسطيني متألف من : د.محمد البطراوي أخصائي القلب في رام الله، ود.وليد سويدان أخصائي الجهاز الهضمي في القدس، ود.نبيل الصالحي أخصائي الأشعة في رام الله، ود.حسن إسماعيل أخصائي التخدير والعناية المركزة في القدس، حيث تم عمل منظار بالمعدة وإجراء فحوصات مخبريه تبين وجود التهابات في المعدة وعولجت بواسطة Nexium- Klacid – Ampicilline حيث تحسنت الحالة بشكل ملحوظ".
وقال "في هذه الأثناء حضر فريق طبي أردني برئاسة الأستاذ الدكتور أشرف الكردي يرافقه الأستاذ علاء طوقان أخصائي الجهاز الهضمي وكذلك الأستاذ يوسف القسوس أخصائي القلب وتمت المصادقة على التشخيص والعلاج والنظر في الظروف البيئية التي يعيشها الرئيس الشهيد والعمل على الخروج من هذه الظروف، وكذلك التوصية بإجراء فحص Colonoscopy نظرا للتاريخ المرضي العائلي ولكن لم يكن بالإمكان إجراء هذا الفحص".
وأضاف: "في نفس الفترة حضر فريق طبي مصري برئاسة الأستاذ الدكتور إبراهيم مصطفى أخصائي الجهاز الهضمي وتم عمل الفحوصات المخبرية والأشعة والسريرية التي أظهرت وجود حصاة في المرارة ولكن نظرا لكون الرئيس الشهيد يتناول المضادات الحيوية وأدوية المعدة تم الحفاظ على بروتوكول العلاج نفسه ولكن أوصوا بضرورة إجراء Conoscopy حيث لم تسمح الظروف بإجراها، وسافر الفريق المصري ولم تطرأ أية مضاعفات بعدها وبقيت الحالة مستقرة وجيدة لغاية يوم 12/10/2004 بعد تناوله العشاء مع الضيوف وحصل بعدها تقيؤ وتم الفحص وإحضار فريق طبي مكون من: د.محمد البطراوي، د.وليد سويدان، د.بسام ارشيد أخصائي الأشعة، د.عز الدين حسين أخصائي الباطنية والقلب ود.حسن إسماعيل.وتم إجراء الفحوصات الضرورية حيث يوجد التقرير الطبي الشامل حتى29/10/2004 وسفر الرئيس الشهيد إلى باريس".
محاسبة المجرمين
إثر جميع المعطيات القائمة يشير القدوة إلى أن "المطلوب من وجهة نظرنا حاليا هو تحرك سياسي فلسطيني وعربي مع كل الأطراف الدولية لإدانة قيام إسرائيل بقتل الزعيم الفلسطيني والمطالبة بمحاسبة من ارتكبوا هذه الجريمة". وللمرة الأول قال القدوة: "أثناء هذا التحرك الدولي إذا ما برزت حاجة لإجراءات إضافية قانونية لتوفير بعض الجوانب القانونية التي قد تتطلب مثلا إجراء فحص لعينة من جثمان الشهيد فإنه يمكن النظر بهذا الأمر". وأضاف: "من الممكن أن يجري هذا الأمر ليس من إجل إقناع أنفسنا فنحن على قناعة بأنه سمم ولكن يجري في حال تطلب التحرك الدولي هذا الأمر وإلى حين ذلك فإن هناك العديد من الإجراءات التي يمكن أن تجرى".