عبد الفتاح أحمد الريس

باحث تربوي


يتردد على ألسنة بعض الموظفين بين الفينة والأخرى مقولة "إن عملنا أو لم نعمل كله واحد"، كما أن راتبنا الشهري الذي نتقاضاه من جهة عملنا بات منزوع البركة. ولأهمية هذا الجانب على مجرى حياتنا الخاصة والعامة نود أن نشير هنا إلى أن هذه المقولة ليست شرطاً أن تكون صحيحة في كل الأحوال والظروف، وإنما في حالات نادرة عندما يكون المسؤول عن مثل هذا الموظف ممن تنقصه الخبرة أو له نظرة خاصة بهذا الموظف من مبدأ عدم تحقيقه للتكامل المطلوب لعمله وعدم إحاطته علما بذلك، أو يكون هذا التصرف الحاصل من قبل هذا المسؤول مبنيا على توجهات شخصية صرفة، وهو ما يتعارض في حقيقة الأمر مع سمات وخصائص الإداري الناجح والذي يقتضي دوره القيام بكل ما يهيئ للموظف سبل الراحة النفسية والانسجام اللازم للعمل وما يحتاجه من حيوية ونشاط وتفان وإخلاص، كما أجمع عليه كثير من علماء الإدارة والمهتمين بأمورها حين قالوا: إن مقابلة الموظف بالتقدير الذي يستحقه يولد فيه الحماس ويدفعه بالتالي إلى العمل بدرجة أقوى، وهو الجانب المهم الذي لم يغفل عنه الإسلام، وهو يؤكد وبصفة دائمة على مدى التقدير والاعتراف بمجهودات الآخرين كما بينه كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

أما كون الموظف لم يحصل على مثل هذا التقدير إزاء ما قام به من عمل مخلص فهذا وإن كان يثير في نفسيته وبلا شك مشاعر الألم والإحباط في أغلب الأحيان إلا أن هذا نحسبه من الأمور التي ينبغي ألا تدعو للقلق ما دام الموظف يدرك وبثاقب نظرته أن ما يقوم به من عمل هو واجب عليه، فضلا عن كون هذا العمل الذي يقوم به يمثل عبادة إذا ما أخلص النية فيه لوجه الله تعالى والذي قطعا سيكافئه في يوم من الأيام ممثلا في سعة الرزق والبركة والثواب العظيم في الدنيا والآخرة، وهي المكافأة التي لا يوازيها أي مكافأة من لدن جميع البشر مهما بلغوا من المكانة وعظم التكريم.

أما شعور بعض الموظفين بانتزاع البركة من رواتبهم وهو الجزء المكمل لهذا الموضوع فهذا في اعتقادنا يعود إلى عدة أسباب منها ما يلي:

1- تقصير الموظف في عمله وعدم قيامه بكل ما أوكل إليه من أعمال وواجبات وظيفية وما تحتاجه هذه الأعمال من اهتمام وإتقان وموضوعية، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه".

2- التأخر عن الدوام بصفة مستمرة أو الغياب المتكرر دون عذر شرعي أو الحضور إلى الدوام في موعده المحدد ولكن دونما إنتاج يذكر حتى نهاية الدوام وما يترتب على ذلك من ضياع لحقوق الناس أو تعطيل لمعاملاتهم والتي ربما يبنى عليها قرارات مصيرية.

3- الانشغال بالأعمال الشخصية على حساب العمل الأساسي من خلال استخدام الهاتف أو الخروج من العمل كلما سنحت الفرصة لذلك أو استغلال الإجازات الاضطرارية أو المرضية وهي ليست كذلك حقيقة، فضلا عن استغلال الانتدابات لأجل أن يحصل الموظف على مبالغ إضافية لزيادة دخله الشهري في الوقت الذي ربما لا تستدعي المهمة التي ينتدب إليها لأكثر من يومين أو ثلاثة أيام فقط ليستغل الباقي من أيام الانتداب في أموره الشخصية أو الراحة في البيت. فالبركة إذا لا يمكن أن تتحقق مع راتب لموظف يشوبه التقصير والتكاسل والإهمال في المهام الوظيفية، وإنما في الراتب الذي سيجنيه الموظف من جراء ما يقوم به من أعمال مخلصة تنبع من ضمير يقظ يخشى الله ويتقيه في السر والعلن. وبما أن المال الحلال جزء لا يتجزأ من الطيبات في الرزق فإن بحصوله يتحقق الارتياح النفسي واستجابة الدعوة من لدن المتفضل بالنعم جل جلاله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "اطب مطعمك يا سعد تكن مستجاب الدعوة"، وفي هذا تأكيد على مدى أهمية الكسب الحلال.