لا يكاد يمر يوم من أيام العمل دون أناقش مع بعض العملاء أو بعض الزملاء مفهوم السيطرة والملكية في الشركات عموما والشركات ذات المسؤولية المحدودة تحديدا، وعلى الرغم من ذلك فإنني أجد في كل يوم من أيام العمل بعدا جديدا لذات المفهوم، ولا يكاد يمر يوم أيضا إلا وتتأكد لدي حاجة نظام الشركات الحالي للتطوير أو لإعادة الصياغة.
شركات المسؤولية المحدودة هي أشهر أنواع الشركات وأكثرها انتشارا وأسرعها إنشاء لدينا في المملكة، إذ لدينا ما يقارب مئة ألف شركة ذات مسؤولية محدودة (قياسا على إحصائية 2010 التي بينت أن لدينا ما يقارب ثمانين ألف شركة)، فبالإضافة إلى بساطة الإجراءات المرتبطة بالتأسيس نسبيا فإن الشركات ذات المسؤولية المحدودة تتيح عددا من الأمور المهمة التي تدفع المستثمرين للتوجه إليها، ومن أهم هذه الأمور ما يتعلق بمفهوم السيطرة في الشركات ذات المسؤولية المحدودة.
السيطرة في هذه الشركات تأتي على مستويين وهما: 1 ـ السيطرة على مستوى الشركاء، و2 ـ السيطرة على مستوى مجلس المديرين (حال قرر الشركاء أن تدار الشركة من خلال مجلس مديرين)، وهنا قد يحدث خلط كبير قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يظن كثير من المستثمرين أن امتلاك حصص أغلبية في الشركة يوفر لهم سيطرة مطلقة على قراراتها، وهذا وإن كان في ظاهر الظن صحيحا إلا أنه ليس صحيحا على إطلاقه.
لنبسط العلاقة ونبين المقصود.. سأتحدث أولا عن مفهوم السيطرة على مستوى الشركاء، وهنا يجب التنبه إلى مفهوم السيطرة السلبية الذي يتيحه تملك ما يعادل 25.5% من حصص الشركة، حيث يضمن الشركاء بهذه النسبة ألا يتم تعديل عقد الشركة إلا بموجب موافقتهم، لأن تعديل عقد الشركة يتطلب الحصول على 75% من الأصوات على الأقل، كما ينبغي التنبه إلى أن الشركات ذات الشريكين قد تضطر الشركاء للحصول على الإجماع فيما يتعلق بعقد التأسيس وإن كانت نسبة أحد الشريكين تتجاوز الـ75%، وذلك من خلال النص على هذا صراحة في عقد التأسيس.
القرارات التي لا ينتج عنها تعديل عقد تأسيس الشركة تتطلب الحصول على أكثر من50% من الأصوات، وهو ما يعني أن من لديه 50.1% من الأصوات قد يستفرد بهذه القرارات وإن رفضتها "الأقلية" 49.9% من الشركة، ولهذا فإنه قد يكون من الجيد أن يتنبه الشركاء من الطرفين لهذه النسب، خصوصا في حال توازعها من خلال أكثر من شريك، فكثير من المستثمرين يدخلون في الشركات من خلال كيانات تابعة بحيث توزع الحصص بينهم وبحيث يكونون في مجموعهم جبهة أغلبية عند التصويت على القرارات.
لكن ينبغي التنبه إلى أن ما أسلفت في النصف السابق من المقال يتعلق بالقرارات التي تصل لجمعية الشركاء، وهذه القرارات في العادة تكون قرارات استراتيجية كبيرة تخرج عن صلاحيات مجلس المديرين في الشركة، ولكن معظم القرارات بما في ذلك كثير من القرارات المهمة تتم على مستوى مجلس المديرين لا على مستوى الشركاء، ولهذا فإن امتلاك حصص أغلبية على مستوى الشركاء لا يعني السيطرة على التشغيل على مستوى مجلس المديرين، بل قد يؤدي مستوى التمثيل على مستوى المجلس لأن ينقلب مفهوم السيطرة على إدارة الشركة لصالح الأقلية، ولهذا ينبغي مراعاة عدد من النقاط.
من النقاط المهم مراعاتها جدا على مستوى مجلس المديرين ما يتعلق بعدد أعضاء المجلس ونصاب الانعقاد ومفهوم الانعقاد (اتخاذ القرار بالتمرير)، فإذا كان عدد أعضاء المجلس زوجيا (4 أو 6) أعضاء فإنه من المهم أن يكون لرئيس المجلس ما يسمى بـ"الصوت المرجح" في حال تساوي الأصوات بين تأييد القرار المقترح ورفضه، وبالتالي يكون الشريك الذي عين رئيس مجلس المديرين ذا مقدرة أكبر على السيطرة على الشركة. أيضا عندما يكون عدد أفراد المجلس فرديا فإنه من المهم أن يحرص الطرف الذي تهمه السيطرة على أعمال الشركة أن يكون له الحق في تعيين أعضاء أكثر من الطرف الآخر لضمان التمثيل بشكل جيد على مستوى مجلس المديرين، علما بأنه في حال عدم النص على الصوت المرجح لرئيس المجلس فإن ذلك يقلل من أهمية الرئاسة ما لم تكن هنالك صلاحيات معينة منصوص عليها لرئيس المجلس تحديدا، وهنا يكون للمنصب أهمية عالية لا بد أن تراعى. ينطبق ذات الأمر أيضا في حال تواجد جبهات أو تكتلات ذات مصلحة مشتركة على مستوى الشركاء، وهنا قد يكون من الجيد الحرص فيما بينهم على زيادة مستوى على مستوى مجلس المديرين ليكون لهم في مجموعهم غالبية تصويت (علما بأن لكل عضو صوتا واحدا على مستوى المجلس).
قد يكون من الجيد أن تحرص الأقلية على مستوى مجلس المديرين على النص على قرارات بعينها ألا يتم البت فيها إلا بالإجماع، وهو ما يعني أن يكون لدى أصحاب التمثيل الأقل ما يشبه الفيتو بمفهوم المخالفة، وهو أمر مهم جدا خصوصا عندما يتعلق الموضوع بالسلامة أو الجودة أو الجوانب الفنية عموما.
ما أشبه عالم الشركات بعالم السياسة والمصالح، وما أكثر خباياه على بساطة ظاهره، ولهذا أتمنى أن يراجع المستثمرون المحامين ذوي الخبرة لتحقيق ما يصبون إليه أو التحقق من وجوده.