عندما كان زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، يستريح في فنادق بعض العواصم العربية ذات الخمس نجوم، كان زعماء وأعضاء الاتحاد العام التونسي للشغل، يتواجهون مع نظام زين العابدين بن علي، ويدخلون السجون ويفصلون من أعمالهم.
وعندما انطلقت ثورة 18 ديسمبر 2010 التي أنهت حكم بن علي، كان أعضاء الاتحاد أول المشاركين في فعالياتها، قبل أن يلتحق بهم أنصار الغنوشي والسائرون في فلكه، ليصلوا في نهاية المطاف بعد اللعب على الوتر الديني إلى السلطة، عبر التحالف الغريب العجيب بين الإخوان المسلمين الذين مثلتهم حركة النهضة، والتيار العلماني الذي مثله المنصف المرزوقي، لتخرج صيغة حكم "توافقية" كمثيلتها في العراق بعد الاحتلال العراقي، وفي لبنان بعد حكم الانتداب الفرنسي.
ليس من الغرابة في شيء أن يتهم الغنوشي الاتحاد الذي يمثل العمال والفقراء الذين كانوا وقود الثورة، ومن بينهم، محمد بوعزيزي، الذي فجرها، بأنه منظمة متطرفة هدفها إسقاط الحكومة التي يترأسها الأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي، خدمة لما أسماه اليسار المتطرف، وهي نغمة طالما استخدمتها رموز الأنظمة التي تهاوت بفعل الربيع العربي الذي انطلق من تونس.
لم يتخل الاتحاد العام للشغل عن دوره، ولم يغادر زعماؤه البلاد تحت وقع الاضطهاد الذي مورس بحقهم، كما فعل الغنوشي، ولم يزر زعماؤه مراكز الأبحاث الأميركية ويلقوا المحاضرات بـ"الديموقراطية" ويرجون القيمين عليها عدم نشر ما تفوهوا به، كما فعل الغنوشي، وهو وسام للاتحاد بوطنيته وبدفاعه عمن يمثلهم.