ليس بخافٍ علينا جميعا ما يُعانيه مجتمعنا المحلي من الفوضى الكبيرة، والعشوائية اللافتة للنظر، في كثيرٍ من المحلات التي تنتشر في كل مكان تقريبا، وتحمل أسماء (محلات العطارة) التي تتخصص في بيع أنواعٍ كثيرة من الأعشاب الطبيعية، والتركيبات والمحاليل الدوائية، التي تندرج ضمن ما يُعرف بالطب الشعبي، والتي ربما تجاوزت المحلات لتصل إلى ما يسمى (البسطات) المنتشرة أمام الجوامع والمساجد، وعلى الأرصفة، وفي أماكن التجمعات والمعارض ونحوها لعرض وبيع ما يسمى بالعلاجات الشعبية، والخلطات الدوائية، وتوزيع بعض الإعلانات الورقية والمطويات المطبوعة والمصورة التي يزعم فيها أصحابها من البائعين أن تلك الأدوية الشعبية ذات قدرات عجيبة على شفاء عدد من الأمراض والأوجاع والأسقام، بل إن بعض تلك العلاجات الشعبية ربما كان شافيا لكل الأمراض في بعض الأحيان، ومن معظمها ـ في الغالب ـ كما يزعمون ويروجون له في دعاياتهم وإعلاناتهم التي لا خُطام لها ولا زمام.

وهنا أقول: إن ما يجري على مرأى ومسمعٍ من الجميع لا يخرج (في وجهة نظري) عن كونه (تجارة سائبةً) تنتشر وتكبر يوما بعد يوم، في غفلة وصمت وتجاهُل غير مبرر من الجهات المعنية وواقع الأمر أن كثيرا من المخاطر السلبية، قد تترتب على تلك التجارة، التي لا أجد حرجا في وصفي لها بأنها تعبث بأحد أهم الجوانب الرئيسة في حياة أفراد المجتمع، ألا وهو جانب (الصحة العامة) تحت عباءة ومزاعم (الأدوية الشعبية أو الطب الشعبي)، الذي يؤمن به كثير من أبناء المجتمع، الذين إما أن يكونوا من المضطرين لذلك تحت وطأة الأوجاع والآلام التي تدفعهم للتجريب والمحاولة ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ وإما أن يكونوا من أولئك الجهلة الذين يؤملون في التداوي والبحث عن العلاج والشفاء بأي طريقة كانت، ولذلك فهم يقبلون على تلك الأدوية المزعومة ويُتعاطونها دونما إدراك أو وعي بما يترتب عليها من المخاطر والسلبيات.

وهنا أقول: لماذا كل هذا العبث والفوضوية والعشوائية في وقت نحن فيه أحوج ما نكون إلى ضبط الأمور ونشر ثقافة الوعي الإيجابي بين أفراد المجتمع؟

ولماذا لا يتأكد كل فرد في المجتمع من معرفة ما إذا كان العلاج بهذه الأعشاب مأمونا أم غير مأمون؟

ثم أليس من حق أبناء المجتمع أن يعرفوا الجهة المسؤولة عن منح التراخيص النظامية لتلك المحلات؟ وأن يكونوا على علم وبصيرة بهوية القائمين على بيع وتركيب وخلط تلك الأدوية المزعومة؟ وهل هم من المختصين أم لا؟ وهل تخضع تلك المحلات للإشراف الطبي من كليات الطب أو الصيدلة أو أي جهة معنية في وزارة الصحة أو غيرها من الجهات ذات العلاقة؟

إنها أسئلة تفرض نفسها بقوة في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، والغث بالسمين، والجيد بالرديء حتى صدق فينا وفي زماننا قول الشاعر:

زمنٌ ما أردت فيه دواءً

من همومي إلا ازددت داء

فهل من مستمع؟ وهل من مجيب؟ وهل من صدى لهذا النداء