بالرغم من بيان المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، والمتضمن الرد على اتهامات شركة "سيبكو إلكتريك" بعد حرمانها من ترسية أحد المشاريع التابعة للمؤسسة في ينبع ، إلا أن هناك نطاقا واسعا ومظلما لم يتم تسليط الضوء عليه، بل إن بيان المؤسسة زاد القضية غموضا أكثر من ذي قبل!.

فمن المعلوم أن المؤسسة تتعامل في تنفيذ وترسية مشاريعها وفق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، والبيان سالف الذكر تضمن أمورا تتعارض مع نصوص مواد النظام واللائحة، وهذا التعارض ألخصه في النقاط التالية:

أولاً/ ذكرت المؤسسة في بيانها بأنه تم فتح المظاريف للعطاءات بتاريخ 15/ 9/ 1432، ومحضر لجنة فحص العروض كان بتاريخ 8/ 6/ 1433 والمتضمن التوصية بالترسية على صاحب العطاء الأول، والملاحظ هنا أن الفترة ما بين تاريخ فتح المظاريف ومحضر لجنة فحص العروض تزيد عن (9) أشهر، واعتماد الترسية لم يتم إلا مؤخرا في شهر محرم من السنة الحالية أي ما يزيد على (7) أشهر من تاريخ محضر فحص العروض، والمادة (20) من نظام المنافسات نصت على أنه: "يجب على الجهة الحكومية البت في العروض واعتماد الترسية خلال المدة المحدد لسريان العروض.." وهي (3) أشهر من التاريخ المحدد لفتح المظاريف، كما يمكن مدّ مدة سريان العرض لمدة (3) أشهر أخرى وذلك في حالة عدم تمكن الجهة الحكومية من البت في الترسية خلال المدة الأصلية لسريان العروض، والجدير بالذكر أن المؤسسة اعترفت بأن مدة إجراءات الترسية زادت عن (14) شهراً، والأسئلة المطروحة هنا: لماذا كل هذه المدة الطويلة لإجراءات الترسية وتجاوزها للمدد النظامية؟، ولماذا لم يتم اعتماد الترسية إلا بعد مرور حوالي (7) أشهر من تاريخ التوصية في محضر لجنة فحص العروض؟ وأخيراً هل تمّ أخذ موافقة الجهات المختصة مثل وزارة المالية بخصوص طول فترة الترسية؟.

ثانياً/ تضمن بيان المؤسسة جدولاً يوضح عطاءات الشركات المتقدمة (العرض الأساسي، والعرض البديل)، وقد تقدمت شركة سيبكو وشركة أخرى بعروض بديلة، وقد أجاز النظام للمتنافسين أن يقدموا عروضاً بديلة أو مرادفة ولكن بشرط أن تتضمن شروط المنافسة العامة النص على تقديم هذا العرض، وفقاً لشروط ومواصفات تحددها الجهة الحكومية، والسؤال هنا: هل تم النص على هذا الشرط ضمن المنافسة؟ ولهذا السؤال أهمية بالغة في ظل وجود تطوير فني ونقل التقنية حسب ما جاء في بيان المؤسسة، فلم يتضح من البيان هل هذه الشروط تم تضمينها مسبقاً في المنافسة أم لا؟!.

ثالثاً/ أكدت المؤسسة على أهمية تصنيف المقاولين وتأهيلهم، ولم تذكر في البيان درجة التصنيف للشركات المتقدمة للمنافسة، علماً بأن صاحب العطاء الفائز متضامن مع شركات أخرى، وفي الغالب يكون الهدف من التضامن هو التأهيل واكتساب الخبرة، وكثيراً من الشركات تلجأ للتضامن إذا كانت درجة تصنيفها لا تتناسب مع قيمة المشروع، وقد تضمن نظام المنافسات الشروط اللازمة لمثل هذه الاتفاقيات من أهمها أن تكون الاتفاقية مصدقة من جهة ذات اختصاص كالغرفة التجارية، لذا كان من الأجدر أن توضح المؤسسة درجات التصنيف واكتمال وثائق التصديق، خاصةً أن شركة سيبكو ذكرت في اتهاماتها بأنه تمت الترسية على شركة تنقصها الخبرة والتأهيل.

رابعاً/ يوجد غموض شديد حول فرق التكاليف بين العطاءات المتقدمة، علماً بأن تكلفة المشروع تبلغ أكثر من 11 مليار ريال ويغذي منطقة المدينة المنورة بالماء والكهرباء، حيث تضمن بيان المؤسسة أن الشركات المتقدمة باستثناء الشركة الفائزة لم تشتمل أسعارها على قطع الغيار والمستهلكات والمعدات الخاصة، وهذا ما يثير التساؤل عن سبب إغفال مثل هذه التكاليف من قبل هذه الشركات، والأهم من ذلك كله هل التحليل المالي للعطاءات تم بشكل مواز لعدالة الأسعار ومعقولية التكلفة وبمعنى آخر هل هناك عدالة في توزيع التكاليف بين المتنافسين؟.

هذا باختصار عن جوانب الغموض الذي تضمنه بيان المؤسسة العامة لتحلية المياه وتجدر الإشارة هنا إلى أني لا أشكك في مصداقية هذا البيان أو التقليل من أهميته ولكن كما هو معلوم في أدبيات الرقابة بأن مثل هذه التصريحات أو البيانات تمثل تأكيدات تحتاج إلى مراجعة وتقييم لإضفاء الثقة عليها، ولا أخفي على القارئ الكريم بأن إجراءات الترسية وتطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية والخاصة بالمشاريع الحكومية تعتبر إلى حد ما بعيدة عن الرقابة والمساءلة، بالإضافة إلى تدني مستوى الوعي بأهمية أنظمة الرقابة الداخلية على إدارات المشاريع والمشتريات ليس في الجهات الحكومية فحسب، بل وفي الأجهزة الرقابية نفسها بالرغم من أن أية ضعف أو خلل في يظهر في تطبيق إجراءات الترسية يمثل أحد الأسباب الرئيسية في تعثر المشاريع أو فشلها، لذا وجدت في قضية سيبكو مع المؤسسة العامة لتحلية المياه مثالا نموذجيا يمكن من خلاله تسليط الضوء على أهمية نظام المنافسات ولائحته التنفيذية والرقابة على تطبيقه بالإضافة إلى التأكيد على أهمية تفعيل مبدأ الشفافية في مثل هذه المشاريع الضخمة والمهمة.

وبما أن المؤسسة صرحت في الوسائل الإعلامية بأنها: "في طور إعداد الترتيبات القضائية وتحديد المسوغات القانونية، لرفع شكوى رسمية للجهات المعنية ضد شركة سيبكو إلكتريك، على ما اعتبرته المؤسسة محاولة الشركة الصينية التأثير على سيادة قرار المؤسسة، وتأليب الرأي العام، بجانب التطاول على وزير المياه والكهرباء"، وبالتالي من الضروري إخضاع القضية للقضاء لأن الرأي العام يعلم بها.. وينتظر النتيجة، ويجب أن تصل المعلومة الصحيحة والسليمة إلى جميع المواطنين حتى يعرفوا الحقيقة، كما أن شكوى الشركة وصلت إلى ديوان المراقبة العامة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ومن الضروري جداً نشر نتائج التحقيق أو التقييم في الوسائل الإعلامية المختلفة، وبذلك نستطيع تحقيق خطوات جادة ومتقدمة في علاج مشكلة تعثر المشاريع الحكومية.