بقيادته لصحيفة "الرؤية" الإماراتية التي صدر عددها الأول الأحد الماضي، يقوّض الإعلامي السعودي محمد التونسي أحاديث من يطرحون فكرة نهاية الصحف الورقية وتحول العالم إلى الصحافة الإلكترونية.

يحاول التونسي من خلال رئاسته لتحرير "الرؤية" أن يغير من الحالة الرتيبة التي اعتادت عليها الصحف الإماراتية عامة، ومنذ أعدادها الأولى حققت "الرؤية" الحضور على الساحة المحلية بتحقيقاتها الجريئة والجديدة وغير المألوفة من قبل. أما طريقة الإخراج فهي حالة مختلفة بدورها، إذ ارتكز فيها على إبراز الصورة والاختصار في العناوين الرئيسة خاصة في "المانشيت". ومن خلال الشكل العام يبدو أن هذا "المانشيت" يمثل هاجسا لديه بحيث تطل الصحيفة يوميا بموضوع صارخ في النصف الأعلى منها.

يراهن محمد التونسي في مغامرته الجديدة على كسب القارئ في الإمارات كلها من أقصاها إلى أقصاها، فلا يكاد يترك مكاناً إلا ويبث فيه عدساته ومحرريه، حتى ليحسب المرء أن لديه جيشا في فريق عمل الصحيفة، فيما الواقع الذي رأيته عن قرب يقول إن عددَ من يعملون معه بما فيهم من يتولون مهام المركز الرئيس أقل من ربع العاملين في صحيفة أخرى، لكنه بهم حقق معادلة الاختراق والوصول بحسب مؤشرات البداية.

عبر الموضوعات والقضايا التي تطرح يوميا في "الرؤية" يحاول التونسي ملامسة الواقع المعيشي للإماراتيين وللمقيمين في تجربة نوعية من عمله الإعلامي، لكنه وضع نفسه أمام الرهان الصعب. فإما أن يثبت أن الصحافة الورقية ما زالت قادرة على تحقيق حضورها في وسط زخم هائل من وسائل الإعلام المتاحة لدى أي شخص من فضائيات وإذاعات وصحف ورقية وأخرى إلكترونية ومواقع إخبارية وإعلام جديد. كل ذلك يبحث عن تخطيه وصناعة نموذج يعبر به المسافات التي باتت تفصل بين الصحيفة كشكل إعلامي وبين القارئ الذي بإمكانه الاقتراب أو الابتعاد. فهو يقترب مما يجذبه ويبتعد عما ينفر منه، وهنا يبرز دور العمل الاحترافي وقدرة الشخص المتمرس.

باختصار، خسر الإعلام السعودي صحفياً محنكاً بخبرة محمد التونسي، وكسبَه الإعلام الإماراتي الذي أجاد الاستفادة من إمكاناته، ودعمه ليوظف طاقته في التغيير والتطوير وصناعة منتَج متميز. ليست مبالغة لو قلت إن صحيفة "الرؤية" سوف تكون رائدة مرحلة مختلفة في الإعلام الإماراتي، مثلما كانت "الوطن" في الإعلام السعودي منذ انطلق عددها الأول بشهادة كل من واكب الصحافة السعودية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.