هناك سؤال جدلي لم يصل أحد على حد علمي للإجابة عليه بالشكل الوافي ولم يطبق بعد نمط عمل استطاع أن يعالج بشكل كامل تفاصيله، فالعلاقة بين النقد الجمعي وقدرته على إيجاد الحلول ما زال أمرا لم يثبت بعد، فكثير مما يعترض عليه الأغلبية من قرارات قد يكون لها من الناحية الجماعية فائدة على المدى المتوسط والبعيد وهو الأمر الذي في الغالب لم يوضع في عين الاعتبار في ردود الفعل الجماعية تجاه ذلك القرار أو ذاك الموقف.
لست هنا أنكر دور النقد في التوجيه ولكني لست على قناعة بالضرورة على أن النقد الجماعي الذي ينطلق عادة من رؤية شخصية هو بالضرورة الوسيلة التي من خلالها نجد الحلول، فكثير من النقد الذي نقرؤه في وسائل الإعلام الاجتماعي هو أقرب لجلد الذات أو النقد لمجرد النقد في حين أن من يقدم حلولا هم القلة القليلة ولا أزكي نفسي من هذا الحديث.
أنا مع حرية النقد وفي ذات الوقت مع أهمية التزام الجهات الرسمية بمبدأ الشفافية والإدارة المسؤولة ولكني في ذات الوقت أجد أن بعضا من الممارسات الإعلامية التي أصبحنا نشاهدها قد اختلط لديها الفهم بين الاستقصاء الصحفي والنقد الموضوعي وبين لعب دور الادعاء العام والقاضي في المحكمة، وهناك فرق شاسع بين إعلام يبحث عن الإصلاح والتوجيه وبين إعلام يسعى للإدانة والاصطياد في الماء العكر.
الصحافة الصفراء التي تعرف على أنها تلك التي تبحث عن أخبار الجريمة والفضائح هي ذاتها التي تعمل من أجل الإثارة وتأليب الرأي العام على فرد أو جهة أو مؤسسة، فكلاهما في العرف الإعلامي لا يعدان إطلاقا إعلاما جادا أو يحظيان باحترام، وهو الأمر الذي أجده أصبح وصفا يمكن إطلاقه على العديد من البرامج التلفزيونية العربية.
لن أسمي برامج بعينها ولن أقول بأنها لا تستحق أن تشاهد بل فقط أتمنى من المشاهد ومن القائمين على تلك البرامج أن (يأخذوا نفسا عميقا) ثم يعيدوا النظر في الكيفية التي بها ينظرون للمحيط حولهم، فليس كل مسؤول متهما وليس كل تاجر انتهازيا وليس كل ناجح وصوليا وليس كل مفكر مسيسا، فهذه طريقة عقيمة في النظر إلى الأمور وأسلوب لا يمكن اعتباره جادا أو قادرا على الإصلاح وإيجاد الحلول.