في يوم الخميس الماضي (29 نوفمبر 2012) أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يعطي فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو" بالأمم المتحدة. والنتيجة المباشرة لهذا القرار هو إعطاء فلسطين ظهورا أكثر في إطار المنظمة الدولية، وبعض المزايا مثل الحصول على مكتب في مقرها الرئيسي، وربما زاد من فرص حصول دولة فلسطين على بعض الموارد من الأمم المتحدة، وإن كان ذلك مشكوكا فيه في ظل تهديد الكونجرس الأميركي بتخفيض مساعدات أميركا للأمم المتحدة، مما قد يدفعها للطلب من الدول الأعضاء تحمل أي أعباء إضافية.

والتأثير المباشر الثاني هو تمكين فلسطين من تحريك قضايا في محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة المسؤولين الإسرائيليين على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وقد أصدر مكتب المدعي العام للمحكمة يوم الجمعة (30 نوفمبر) بيانا قال فيه إنه "سيدرس ما يترتب على قرار الجمعية العامة من تبعات قانونية". ومن المعروف أن السلطة الفلسطينية سبق أن طلبت من المدعي العام في إبريل الماضي التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حرب غزة الماضية (2008-2009)، ولتمكينها من ذلك أعلنت اعترافها باختصاص المحكمة، إلا أن المدعي العام قال حينئذ إن الدول المعترف بها دوليا فقط هي التي تستطيع تحريك القضايا وقبول اختصاص المحكمة.

وربما كان قرار الجمعية العامة هو أهم قرار اتخذته الأمم المتحدة حتى الآن لتمكين الدولة الفلسطينية من ممارسة صلاحياتها، ولكن القرار لا يؤسس هذه الدولة، فتأسيسها منصوص عليه في قرار التقسيم الصادر في عام 1947 الذي ينص على تأسيس دولتين إحداهما يهودية (إسرائيل) والثانية عربية (فلسطين). وربما نشأ اللبس من إساءة فهم ما قاله الرئيس الفلسطيني أمام المتحدة من أنه يطلب من الجمعية العامة إصدار شهادة ميلاد للدولة، فهو في الأغلب لا يقصد تأسيس الدولة ولكن اعتراف المنظمة بها كدولة كاملة الحقوق.

وبعد قرار التقسيم فعلت الأمم المتحدة كل ما في وسعها لمساعدة إسرائيل من الحصول على مزايا العضوية الكاملة في المنظمة الدولية، ولكنها لم تفعل سوى اليسير لتمكين فلسطين من ذلك.

وينص قرار الجمعية العامة رقم 181 (29 نوفمبر1947) على تقسيم فلسطين إلى "دولتين مستقلتين، عربية ويهودية"، ويجب أن تقوم الدولتان "قبل 1 أكتوبر 1948". ويحدد القرار حدود الدولتين بالتفصيل، ويخصص 45% من أراضي فلسطين للدولة العربية. وحقيقة أن دولة فلسطين قد أسست بداية في عام 1947 أو أنه تم التأكيد على وجودها في ذلك القرار ليست محل خلاف، إلا على التفاصيل التي تحفل بها مراجع القانون الدولي. وفي المقابل، بالنسبة لإسرائيل فإن ذلك القرار هو أول وأهم قرار يُضفي بعض الشرعية على اقتطاع جزء من فلسطين التاريخية لتأسيس دولتها عليها. وقد أدركت إسرائيل أهمية القرار في حينه، كما هو واضح من إشارات إعلان استقلالها في 14 مايو 1948 إليه.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن الأمر كان أكثر وضوحا من الناحية القانونية، فقرار عام 1947 يشير في عدة أماكن إلى "المواطنين الفلسطينيين"، الذين كانوا يحملون جوازات أصدرتها "حكومة فلسطين" التي كانت سلطات الانتداب البريطاني تديرها نيابة عن الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد عاش الفلسطينيون في أرضهم منذ بدء التاريخ، ولذلك فإن ما نص عليه قرار عام 1947 تحصيل حاصل بالنسبة لدولة فلسطين، التي كان من المفروض أن تبدأ في ممارسة سلطاتها ضمن حدودها الجديدة بحلول أكتوبر 1948، ولكنها الدولة اليهودية التي كانت بحاجة إلى اعتراف من المنظمة الدولية.

وكما هو معروف فإن الفلسطينيين، وكثيرين غيرهم، استنكروا قرار التقسيم عام 1947، ليس لأنه يعترف بدولة فلسطين، بل لأنه كان ظالما في استقطاع 55% من أراضيهم لصالح الدولة اليهودية الجديدة، على الرغم من أن اللجنة الخاصة التي شكلتها الأمم المتحدة لدراسة الوضع حينذاك، والتي وضعت خطة التقسيم قد وثقت أن الفلسطينيين كانوا في ذلك الوقت يشكلون 67% من إجمالي السكان، في حين كان اليهود يشكلون 33%، بل إن الفلسطينيين كانوا يشكلون 45% من إجمالي السكان في المناطق التي تم استقطاعها للجانب اليهودي. أما ملكية الأراضي فقد كانت أكثر وضوحا، فلم يكن اليهود يملكون سوى 5% من إجمالي أراضي فلسطين.

وما حدث بعد ذلك، ولكنه لا يُلغي اعتراف المنظمة الدولية بدولة فلسطين، فقد مُنع الفلسطينيون من ممارسة سلطتهم الوطنية على أي جزء من أراضي فلسطين إلى عام 1993، بعد توقيع اتفاقية أوسلو. ومنذ 1993 استعادت الدولة الفلسطينية السيطرة على أجزاء من أراضيها في الضفة الغربية وغزة، وقد اعترف بها حتى الآن (132) دولة، أكثر من الدول التي اعترفت بإسرائيل.

وكمؤشر آخر على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، صدر قرار الجمعية العامة يوم الخميس الماضي بأغلبية ساحقة، حيث صوت لصالحه (138) دولة. وعدا عن إسرائيل والولايات المتحدة لم يصوت ضده سوى (7) دول هي: كندا، تشيكيا، بنما، جزر مارشال، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو. ومما يدل على عُزلة إسرائيل والولايات المتحدة، أن معظمنا لم يسمع بمعظم هذه الدول من قبل، ولا يتجاوز عدد سكان الدول الأربع الأخيرة منها (180,000) نسمة، وتعتمد اعتمادا رئيسيا على المساعدات الأميركية، أما بنما فهي الدولة الوحيدة في أميركا الوسطى والجنوبية التي صوّتت ضد القرار، في حين أن تشيكيا هي الدولة الوحيدة في أوروبا التي صوتت ضده.

ويدعو القرار مجلس الأمن إلى الموافقة على طلب فلسطين الذي قدمته في سبتمبر 2011 للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، أي أن الجمعية العامة تطلب من المجلس أن يصحح الخطأ التاريخي الذي وقع في حق الفلسطينيين.

فبعد (65) سنة من قرار التقسيم الذي اعترف بالدولة الفلسطينية، وبعد (63) سنة من قبول إسرائيل كعضو في المنظمة الدولية لم تمنح الأمم المتحدة المعاملة نفسها لفلسطين، وهذا الطلب ما زال مع الأسف يراوح مكانه في مجلس الأمن منذ (14) شهرا بسبب المعارضة الأميركية القوية له.

وستكون درجة استجابة مجلس الأمن لهذه الدعوة الجديدة من الجمعية العامة مقياسا لمدى جديته في تصحيح ذلك الخطأ التاريخي.