• يبدو أن للنبالة وجها واحدا، هو أنه؛ بمقدار ما يدفعك إحساسك بالآخرين لتعبّر لهم وعنهم، فعلا وقولا، بقدر ما تكون نبيلا في داخلك. لن تكون ذلك العالق في شراك نفسه، وإنما ستكون منسجما مع دورة الطبيعة، التي هي وحدها الطريق الوحيدة لبقاء الحياة، ستكون ذلك الحيّ، الأصدق حياة، لأنك كما العشب والغيث والفصول.. تعيد إنتاج البقاء، كما الإنسان الحقيقي الذي يدرك أن "الأنا" الفاعلة لتحقق لا بدّ لها من استيعاب الآخر، وأن تنطوي عليه، على رأي فتحي سلامة في مقولته الكبيرة؛ "هنالك مفهومان للهوية: مفهوم سطحي، بمعنى أنا لست الآخر، ومفهوم عميق، بمعنى: لا وجود للأنا إذا لم يكن متضمنا الآخر".
• "هل كان يترجم فؤاده، عندما باح دمَهُ، للطريق. تخاطفوا القناديل، ولم يسألوا عن زيتها في بريّةٍ فاجرة!".. هكذا يتساءل الشاعر والناقد؛ عبدالله السفر، هذا الممتثل بهدوء وعمق لتناغم وجودنا، في هذا المدى الصغير، الصغير كنقطة في الكون الرحب. أجل إن الذي يترجم فؤاده بينما سُرّاق الحياة يتخاطفون قناديلها، لا يفهمون شيئا عن تعب الفنّان وهو يحدق ما بين الجذور والثمار، ولا عن همّه؛ كيف تبقى هذه الشعلة متقدة وحميمة، إنهم لا يعرفون سوى الاستباحة والقهقهة في فجور البرّية.
• وامتدادا لهذه الروح الخلاقة يتناسى السفر عبدالله ذاته برفقة الرائع الآخر؛ محمد الحرز، وإيمانا منهما بجدوى الإصرار على هذا النبل الذي يعتني بالآخرين، معتقدين أن ما رصداه سيغذي الحياة ويزيد سلالة الجمال جمالا وامتدادا، فاشتغلا على الأنطولوجيا البديعة، ذات الاسم الذي يشبههما "يصرّون على البحر"، ليقفا كسراجين على ناصية الطريق ويوثقا تعبير سبعة وثلاثين كاتبا. إنه هو هذا الإصرار الذي أعنيه بالضبط، سمياه بعمقهما العذب على هذا النحو.
• عبدالله السفر كان قد ابتدأ (ولاحظوا العنوانين) بمجموعته "يفتح النافذة ويرحل" في العام 1995 ، ومرورا بفيضه حتى "جنازة الغريب" 2007 - ويا ما أعمقه هذا الانشغال - السفر من مواليد قرية الجشة، في الأحساء 1960 أصدر السفر أيضا كتاب "اصطفاء الهواء: القصيدة الجديدة في السعودية" 2010، وفي العام نفسه أصدر "حفرة الصحراء وسياج المدينة: الكتابة السردية في السعودية"، وفي عام 2011 أصدر "يطيش بين يديه الاسم" ومطلع هذا العام 2012 أصدر "دليل العائدين إلى الوحشة".
• جاء في "لوحة مقصوفة": "سوف تذهب ويزدحم الطريق! سوف يزدحم الطريق وتذهب! يزدحم الطريق.. والعُبور لوحة مقصوفة؛ تجلّلها عظامُك". هكذا قال عبدالله السفر.