رغم تأثر الأهالي في الباحة بالتطورات المختلفة من حولهم، وتغير عدد من أنماط سلوكياتهم اليومية إلا أن حنينا كثيرا من كبار السن إلى المساجد القديمة مطلع كل شهر رمضان من كل عام لم يتغير،

حيث يتحدث العم جمعان الزهراني قائلاً " لا شك أن المساجد تشهد عناية فائقة كبيرة من قبل الدولة وأهالي الخير من حيث البناء والتجهيزات التي تسهم في خلق أجواء روحانية تزيد من الإيمان والخشوع، إلا أن مساجدنا القديمة لها طابع آخر"، ويضيف: تتميز مساجد القرى القديمة بطابع معماري خاص استمد من الطبيعة خاليه من الزخرفة والنقش والتجميل، التي قد تشغل الكثير من المصلين عن صلاتهم.

ويشير علي سعيد الغامدي إلى أنه كان لكل قرية مسجد يجتمع فيه أهلها في كل الصلوات، حيث يجتمعون عقب كل صلاة في موقع مخصص لهم ملاصق للمسجد ويتبادلون الأحاديث والقصص والأخبار، خصوصاً عقب صلاة العصر والتي تستمر إلا قبيل الإفطار في كثير من الأحيان، موضحاً أنه في هذا الزمن أصبح الكل مشغولا ومستعجلا، فما إن يسلم الإمام حتى يسارعوا بالانصراف. ويقول صالح سعيد الزهراني: ما إن يرتفع صوت المؤذن بالأذان حتى تجد الناس يقصدون المسجد بسكينة ووقار من أجل أداء هذه الشعيرة الدينية المحببة إليهم، حيث تشاهدهم يسيرون في الطرقات نحوه، مضيفاً أن المساجد القديمة رغم بساطتها إلا أنها تضم بعض التجهيزات مثل بئر ومكان مخصص للوضوء، مؤكداً أن المسجد بالنسبة للأهالي لم يكن مكاناً للصلاة فحسب، بل لتجمع والتقاء الأهالي والأقارب والأصدقاء وتكوين علاقات أخوية قوية، إضافة إلى مناقشة أمور القرية وطرح قضياها ومعالجتها. ويرى عطية علي الزهراني أن المساجد القديمة تخلو من إزعاج الأطفال الصغار والأجهزة المرتفعة الصوت، فهي تهيئ لروادها فرصة لقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه في أجواء روحانية تزيد من إيمانهم وخشوعهم وتزيد من تقربهم إلى الله.

ويتحدث المعلم المتقاعد عبدالله الزهراني قائلاً " ومما لا شك فيه أن المساجد القديمة التي باتت مهجورة اختزلت على مر التاريخ أحداثا ومواقف وكانت شاهدا عليها ومرجعا لها، وربما ارتبط اسم تلك المساجد بأحداث بعينها وبشخوص كان لهم تأثير في مناحي الحياة المختلفة". ويرى الزهراني أن هناك قصصا كثيرة اختزلها التاريخ في منطقة الباحة عن المساجد القديمة، فكم من عابد تفرغ لعبادته بين جنبات المساجد، إضافة إلى كثير من الأمور التي كانت تمارس بها، حتى أصبح المسجد وكأنه القطب الذي تدور عليه رحى التاريخ في الباحة.

ويؤكد الزهراني بقوله " لا يكاد شخص يلج إلى أحد المساجد القديمة المنتشرة في القرى حتى يشعر بشعور لا يجده في غيرها من الروحانية والسكينة، فبساطتها تطابق بساطة الإنسان الراغب في الارتباط برب الكون ". وأشار سعيد البيضاني إلى أن كثيراً من أهالي القرى قاموا بإنشاء جوامع بديلة على أنقاض المساجد القديمة، وشهدت أسرافا كثيراً في زخرفتها وبخاصة من قبل فاعلي الخير أو المؤسسات الخاصة المهتمة بهذا المجال، موضحاً أن تلك الزخرفات أصبحت ظاهرة، قائلاً " إني أركز على خطورتها وأقل ما يقال عنها إنها هدم للحضارة والتاريخ الذي سعت الأمم جاهدة لتحافظ عليه وتشيد به وتختال به بين الأمم والحضارات مزهوة بتقاليد راسخة "، داعياً الجهات ذات العلاقة للحفاظ على المساجد ذات الطابع القديم والتاريخي، والباحثين إلى تخصيص بعض وقتهم لدراسة المساجد القديمة وتصويرها وتوثيقها، فكل ذلك مدعاة إلى حفظها وصيانة موروث يصل إلى أكثر من مئات السنين، لأنها في يوم من الأيام قد تهدم في طرفة عين وستصبح لا شيء بعد أن كانت شامخة بذكر الله.

أما الشاب عبدالله محمد الزهراني فقد شده في كثير من القرى بالمنطقة روعة البناء القديم والبسيط للمساجد القديمة قائلاً " ذلك كله يشير بكل أجزائه إلى بساطة هذا الدين ويسره وبساطة الإنسان القديم،" موضحاً أن الكثير من أقرانه يتوجهون خلال شهر رمضان في فترة المساء للتجول في تلك المساجد التي تتوسط القرى القديمة ويقضون أوقاتهم في الحديث عنها وكيف كان الآباء والأجداد يجتمعون للصلاة بها. ويشاركه الرأي محمد الزهراني فيقول" من المؤسف جدا أن نرى مساجدنا القديمة تتداعى يوما بعد آخر بواسطة أحفاد من بنوها وعمروها.. ربما يكون ذلك بنية طيبة لعمارتها بالبنيان الحديث، لكن ذلك أيا كان مبرره هو هدم لتاريخ طويل يجب أن يصل إلى أجيالنا القادمة كما هو".