منذ أن اندلعت الثورات في مصر وقبلها تونس بدأنا نسمع عن الخطر المتزايد للجماعة التي كانت محظورة لعقود لأسباب سياسية، وآخر يتعلق بقوانين دستورية أو بسبب خوف الساسة من هيمنة جماعة تستخدم الشعارات الدينية وسيلة لترويج أفكارها السياسية التي يسهل من خلالها تجييش الجماهير وإقناعها بأن تلك الجماعة هي الخيار الصحيح للإنسان المسلم البسيط، وبالتالي تحييد المنافسين وإزاحتهم بديباجاتهم العلمانية عن المسرح السياسي.
خلال الأيام الماضية، شهدت الشقيقة مصر حالة من الاستنفار والاحتجاج التي نتجت عن الإعلان الدستوري الذي يعطي الرئيس المصري محمد مرسي سلطات جديدة تكرس ـ وفق رأي المحتجين ـ سلطة الرجل الواحد وتعيد للأذهان النظام السابق وتهد الأسس التي قامت من أجلها الثورة المصرية ومات من أجلها الشهداء.
في ظل هذا المشهد الدرامي الذي تتقاطع فيه الأخوة مع العداوة وتصبح الثورة التي قامت من أجل الحرية تصارع نفسها من أجل أن تبقى حرة، وفي وقت يخوض العالم حوارا إلكترونيا عابرا للحدود نجد أن لغة صراع جديدة تتمحور حول جماعة (الإخوان المسلمين) أصبحت طاغية على الأجواء ما بين ناقد وناقم من جهة وبين مدافع ومعاند من جهة أخرى، في وقت أصبحت المحكمة المحايدة والتي كنا نعتقد أنها ستكون عبر الاقتراع وتصويت الشعب قد تجلت في لغة التخوين الإعلامي والتهميش السياسي.
شخصيا لا أتفق مع جماعة الإخوان في فلسفتهم السياسية وأهدافهم الأممية التي ربما تتناقض كما يرى البعض مع فكرة الوطن والوطنية، إلا أني أجد أن هذا الهوس بالإخوان الذي اجتاح العقول من الخليج إلى المحيط قد تجاوز في بعض حالاته الحد المنطقي، إلى درجة أني قد أفهم من بعض تلك الأصوات أن مشاكل التنمية والحريات والبطالة التي عاشتها وتعيشها بعض الأقطار العربية سببها كذلك الإخوان، وهو الأمر الذي يتنافى مع المنطق الزمني والواقع التاريخي.
تجريم الخصم على الطريقة المكارثية التي طبقت في الخمسينات في أميركا لتشديد الرقابة على الشيوعيين الذين يعملون في الحكومة الأميركية سينتج لنا ـ دون شك ـ حالة من التخوين المتبادل بين أطراف المجتمع في وقت أكثر ما تحتاج فيه الدول العربية هو تنمية لغة الحوار والمحاججة والتحليل المنطقي المتزن، ولنتذكر أن الأشخاص يفنون ولكن الأفكار تبقى، فليكن الفكر بالفكر والرأي بالرأي والحجة بالحجة.