لولاه ربما ماتت مهنة التعليق على مباريات كرة القدم، وأضحت سردا لفظيا مملا وسيلا كلاميا وصفيا باردا بلا معنى، يهطل على المشاهد المفتون باللعبة الشعبية الأولى مجتاحا عالمه الصغير.. لقد حولها الفتي الإماراتي الخجول إلى قصيدة ممتعة وفرجة موازية، من خلال ذخيرة لغوية فاتنة فيها من الشعر والأدب والخيال والمعلومة والاستشهادات اللافتة، وقبل ذلك الحياد الجميل والنظافة السمعية التي تصادق وتؤالف لا تخدش ولا تصدم.. نعم تحتشد القنوات بعشرات من زملاء المهنة قدماء وجدد لكن "فارس" يبقى الخيار الأول والأثير، صديق الرياضيين والشعراء والفنانين وكل من يحب الإتقان في الحياة، يظن مقلدوه أن المسألة بضع مفردات ونبرة صوت وألقاب ترمى هنا وهناك على هذا وذاك.. نسوا أن ثمة كيمياء وتفاعلا لا يمنحان لأي كان؛ فالناس تحب من يحبها وتحترم من يحترمها وتصدق مع من يصدقها دون خلفيات أو تراكمات، لذا احتفت به كما يستحق نجما أثيرا أينما حضر وأطل..
مقاطع الـ "يوتيوب" خير دليل، فقلما تحتشد الناس لتحية معلق كروي كما تصنع مع سائر نجوم الرياضة والحياة.. قبل "فارس الوصف والتعليق"، كانت علاقتنا مع المعلقين متنافرة وحدية، ننتظر زلاتهم لتبادل النكات، نحفظ لهم ارتباكاتهم وأخطاءهم اللغوية، نتسقط نسيانهم وذاكرتهم.. بعده جاءت القصائد وكلمات أدباء الدنيا وأمثلة العالم لتملأنا بهجة ورصانة.. خرب التكتيكات القديمة و"اللزمات" المكرورة والأساليب المستهلكة، جلب معه جيلا مختلفا من المعلقين يبحث عن الدقة.. رفع سقف الطموح للقنوات الرياضية وجماهيرها، وحول المهنة إلى وهج تغيرت معه المعادلة فأصبح المتابع يسأل عن المعلق قبل المباراة، ورغم ذلك ظل متواضعا لا تزيده الشهرة إلا أدبا ومسؤولية وودا.. نحاول سرقة صوته كلما سنحت الفرصة رغم قوانين الاحتكار والحصرية التي تكبلنا بها القنوات والمنافسات، وفي كل فرصة سعودية يعود الرجل بلهفة المغترب وشوق البعيد ليجدد الحب ويؤكد الوفاء ويكمل رحلته الفاتنة في عالم المجنونة المستديرة التي جننت الناس في كل الأماكن.