قبل الخوض في فكرة العنوان، هناك سؤال تقليدي، ولكنه على تقليديته يبدو مهماً وهو: كيف نعيش معا ونحن مختلفون؟

طبيعة الإجابة على هذا السؤال هي التي ستحدد طبيعة المستقبل السياسي والاجتماعي للعديد من الدول وخصوصا ونحن نشهد انتشارا وتمددا للمشكل الطائفي والمذهبي والقومي الذي أسهم قويا في نشوب نزاعات داخلية تهدد المستقبل وتؤذن بحدوث انقسامات، وقد رأينا مصاديق ذلك تجلت بشكل واضح في عدد من الأمصار العربية والإسلامية؛ فمثلا السودان تم تقسيمها قبل أكثر من عام بين شمال وجنوب، وفلسطين مقسمة بين حركتي «حماس» و«فتح» وما بينهما من فصائل وتنظيمات، وأما العراق، فلطالما تفرقت مذهبيا وطائفيا وعرقيا من الشمال إلى الجنوب، أما لبنان فتشظى على خطوط الصدع الطائفي والديني، بدءا من الحرب الأهلية التي عصفت به على مدى خمسة عشر عاماً وقسمته إلى طوائف وقوى سياسية.

وقد وصل الانقسام إلى داخل الطائفة الواحدة؛ فالسنة انقسموا إلى فئتين وكذلك الشيعة والمسيحيون! وتوزعت الطوائف بين فريق 8 آذار وفريق 14 آذار..

وأما إذا انطلقنا إلى بلد الفراعنة مصر فتبدو اليوم منقسمة، وخاصة بعد الاحتجاجات المليونية المؤيدة للرئيس من جماعته «الإخوان المسلمين»، والمعارضين من الأحزاب والقوى السياسية الأخرى.

قد يبرر بعضهم أن البلدان العربية تعاني من التنوع والتعدد الواسعين على المستويين الديني والقومي، وفي هذا ما يؤدي إلى الشقاق والصراع الداخلي، ويهدد بقاء الدولة القطرية القائمة حاليا. لكن الواقع العالمي يشير إلى أن التعدد منتشر في كل بقاع الأرض، ولا نستطيع حصره في بقعة واحدة، على الرغم من أن حدته ونطاقه قد تختلفان من مكان إلى آخر.

فهناك تنوع واسع جدا من نواح متعددة في الهند مثلا، وكذلك إذا نظرنا إلى الولايات المتحدة الأميركية، نجد أن الأصول القومية والدينية للناس شتى وكثيرة جدا، ونكاد لا نستطيع حصرها فأميركا توجد فيها أصول قومية عديدة، وأديان متعددة مثل المسيحية والإسلام والسيخية والهندوسية والوثنية، ومذاهب دينية كثيرة مثل البروتستانت على اختلاف أطيافهم والكاثوليكية وغيرها.

المعنى أن المسألة ليست مرتبطة بالتعددية بقدر ما هي مرتبطة بعوامل حضارية، وأن مظاهر العنف والفوضى والانقسامات والتفتت التي تشهدها بعض البلدان العربية، لا تنطلق في واقعها من حقيقة التنوع والتعددية، وإنما تنطلق من غياب الصيغ السياسية والاجتماعية التي تجمع بين حقيقة الاختلاف وضرورات العيش المشترك، فالأمم والمجتمعات الإنسانية التي استطاعت أن تطور في واقعها نهج العيش المشترك، هي التي تمكنت من إعادة بناء علاقتها تفاعليا مع أفكارها. فالوصول إلى صيغة سياسية وثقافية ومجتمعية هو الذي سيحدد شكل المستقبل السياسي للعالم العربي. أخيرا أقول إن التهديد الأخطر لأمن الدول عموماً يكمن في التفكك الداخلي الذي يقود في واقعه إلى التشظّي والتشرذم للدولة والمجتمع، فكيف يمكن بناء رؤى وطنية لا تغفل حقيقة التنوع والاختلاف، ولا تتجاوز متطلبات الوحدة والعيش المشترك.