تحتفل السعودية خلال هذه الأيام بتحقيق المرتبة الأولى بين الدول العربية في استقطاب رؤوس الأموال النقدية، والمرتبة الثامنة بين دول العالم في جذب الاستثمارات الأجنبية، لتتضاعف هذه الاستثمارات في السوق السعودي 40 مرةً خلال السنوات الخمس الماضية، وتفوق قيمتها 133 مليار ريال سعودي في عام 2010م.

قبل عشرة أعوام دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز مسيرة الإصلاح الاقتصادي السعودي. كانت هذه المسيرة وما زالت هدفنا الطموح لتحقيق المراكز العالمية المتقدمة بين دول القرية الكونية في كافة المجالات. من خلالها استحدثت الحكومة، ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار، برنامجاً طموحاً يهدف إلى تحديث آليات عمل القطاع الحكومي وتبسيط إجراءاتها وإعادة ترتيب أولوياتها، مما يساعد على تحسين بيئة الاستثمار بشقيه المحلي والأجنبي والارتقاء بأسواقنا في سلم التنافسية العالمية.

أطلقت الهيئة العامة للاستثمار على هذا البرنامج اسم (10×10)، أي الارتقاء بالسعودية إلى المرتبة العاشرة في التنافسية العالمية بنهاية عام 2010م.

في العام الماضي احتفلنا مع الهيئة العامة للاستثمار بصدور تقرير البنك الدولي عن سهولة ممارسة الأعمال في أسواق 183 دولة. تصدرت القائمة دولة سنغافورة وتقدمت السعودية من المركز ال 23 إلى المركز ال 13 لتصبح ضمن أسرع دول العالم في تحقيق نتائج مسيرة الإصلاح الاقتصادي ومن أفضلها جذباً للاستثمارات الأجنبية. تفوقت السعودية على أيسلندا وسويسرا واليابان وفنلندا وبلجيكا. وجاءت هذه النتائج الباهرة محصلةً حتمية لمسيرة الإصلاح الاقتصادي والجهود المشتركة التي بذلتها الأجهزة الحكومية التنفيذية في تحقيق انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية وإصدار الأنظمة الجديدة وتوفير المناخ الملائم للمستثمرين وتسهيل أعمالهم وزيادة ثقتهم بالسوق السعودي.

من خلال المتوسط المرجح لعشرة معايير اتخذها البنك الدولي كمؤشرات ملموسة للتصنيف، حصلت السعودية على المركز ال 3 في تسجيل الأصول والأملاك والمركز ال 7 في نسبة الضرائب المفروضة على الأرباح والمركز ال 33 في التجارة عبر الحدود والمركزال 36 في معيار تسهيل بدء أعمال المستثمرين والمركز ال40 في استخدام وتشغيل العمالة والمركز ال 47 في منح وإصدار التراخيص والمركزال 48 في سهولة الحصول على الإتمان وتوفير الضمانات والمركز ال 50 في حماية الاستثمارات والمركز ال 79 في معيار إتمام إجراءات إغلاق الشركات وإنهاء أعمالها. هذه المعايير قدمت إشارات واضحة عن أداء الهيئة العامة للاستثمار ونجاحها الباهر في تنسيق أعمالها ببراعة فائقة وقدرات مبدعة.

نحن نعيش اليوم أكثر الفترات ديناميكية في تاريخ الاقتصاد العالمي، فترابط اقتصاديات عالمنا وانفتاح أسواقه نتيجة تحرير التجارة وشيوع مفاهيم العولمة وثورة المعلومات والاتصالات والامتداد الدولي للتمويل أخذت تغير خارطة العالم الاقتصادية بوتيرة متسارعة. لذا فإن الدور الذي تلعبه السعودية ومسؤولياتها تجاه الاقتصاد العالمي والتي أملتها في المقام الأول مكانتها الفريدة كأكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، لم تعد المعيار الوحيد الذي يجلب تدفق الاستثمارات الأجنبية وتنشيط الأسواق المحلية. بل أصبحت التنافسية العالمية، التي تستخدم المعايير الدولية وتتطرق لكافة السياسات والإجراءات التي تمارسها الدولة ممثلة في وزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها، هي المحك الحقيقي الذي يعكس أداءها وقدراتها في تحقيق رغبات المستثمرين.

واليوم تمكنت السعودية من حصد نتائج الرؤية الثاقبة لملك الإنسانية قائد مسيرتنا التنموية. فعضويتنا في المنظمات الدولية دمجت اقتصادنا بقواعد وأحكام التجارة العالمية، لتتفوق قيمة تجارتنا الخارجية بنسبة 70% من ناتجنا المحلي، وتحتل صادراتنا المرتبة ال 12 بين أكبر دول العالم في الصادرات، وتحقق خدماتنا المالية الملاءة الائتمانية المميزة التي منحتنا تصنيفاً سيادياً عالمياً مرموقاً على سلم التقديرات الدولية.

في العقد الماضي نجحنا في دمج مزايانا التنافسية بمزايانا النسبية من خلال تطبيق نظرية التجارة المتكاملة. بانضمامنا لمنظمة التجارة العالمية استطعنا تحييد عشوائية العولمة السلبية وحققنا أهداف التنمية الحقيقية. بالتركيز على تعليم أجيالنا وابتعاث الآلاف من أبنائنا وبناتنا، حققنا قصب السبق في توطين التقنية والمعرفة والابتكار، لنصبح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة التنموية الحيوية ولنساهم في رفع قدراتنا الذاتية ومكافحة البطالة والفقر والاتكالية.

في ظل العولمة الاقتصادية وداخل وطن محصن بأفضل المزايا التنافسية، من نفط وغاز وتمويل واعفاءات وملاذ آمن، تسعى الهيئة العامة للاستثمار بكامل قواها وقدراتها لمواجهة التحديات الملّحة غير المنظورة والمقلقة، مثل ضعف نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للنمو السكاني، وانخفاض عدد الوظائف المعروضة للمواطنين في القطاع الخاص، وبطء نمو قيمة الصادرات السعودية غير النفطية.

الحلول الجذرية لهذه التحديات تصب في ضرورة توسيع قاعدتنا الإنتاجية وتخصيص منشآتنا الحكومية وفتح قطاعاتنا الخدمية للاستثمار الأجنبي لتوطين التقنية وإثراء القيمة المضافة المحلية. لذا لجأت الهيئة قبل خمس سنوات لإنشاء خمس مدن اقتصادية بمواصفات عالمية وبتكلفة أولية فاقت قيمتها مئة مليار دولار، تهدف إلى تطوير صناعة الطاقة وتنشيط قطاع الخدمات واستقطاب المعرفة وتوطين التقنية وتوفير الوظائف. بدأ تنفيذ أولها في مدينة رابغ على شواطىء البحر الأحمر لتحمل اسم راعي مسيرة الإصلاح الاقتصادي الملك عبدالله بن عبد العزيز.

علينا تشجيع الهيئة العامة للاستثمار والوقوف إلى جانبها، ودعمها بكامل قوانا لتؤدي دورها المميز وتحقق أهدافنا التنموية.