الباعث لهذا السؤال هو التبرير الذي انطلقت منه وزارة العمل في تطبيق القرار المتعلق بفرض رسوم قدرها (2400) سنويا على كل عامل وافد يزيد عن متوسط عدد العمالة الوطنية في أي منشأة، فبحسب موقع الوزارة الإلكتروني فإن القرار يهدف إلى تحقيق عدة مقاصد جاء في مقدمتها "تأمين الموارد المالية لبرامج وخدمات التدريب والتوظيف للمواطنين الباحثين عن عمل"، ووفقا لوزير العمل المهندس عادل فقيه، فإن رفع الرسوم يهدف إلى: "تشجيع القطاع الخاص على توظيف السعوديين من جهة، والاستفادة من المبالغ المحصلة في صندوق تنمية الموارد البشرية من جهة أخرى".. هذا الهدف المُعلَن المتعلق بتأمين موارد مالية للصندوق ينتقل بالقرار إلى مربع آخر لا علاقة له بتوطين الوظائف، وهو موضوعية وسلامة إجراء فرض رسوم عالية لتمويل صندوق حكومي، أو بالأحرى سلامة وموضوعية تقدير وتحديد حجم الرسوم وعدالتها وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، فالواضح أن القيمة المقدرة للرسوم التي ارتفعت 23 ضعفا مرة واحدة اتجهت وركزت في تقدير المبلغ على حجم الموارد المُتوقع تحقيقها للصندوق، بمعنى أن حجم قيمة الرسوم حددتها البرامج والالتزامات التي ينبغي للصندوق القيام بها بما فيها مِنَح طلاب الجامعات الأهلية وإعانات الباحثين عن عمل، فالصندوق أَلزم نفسه أو أُلزم بمهام وبرامج يمكن النقاش والتحاور حول جدواها وفائدتها للوطن والمواطن، وفي تقديري فإن الفريق الذي قرر مقدار الرسوم ركز في تحديد مقدارها على جانب واحد وهو احتياج الصندوق من الإيرادات، ولم يفكر بالجوانب الأخرى المترتبة على القرار بما فيها أثر ارتفاع تكلفة العمالة الوافدة على أسعار السلع والخدمات، وما إذا كانت هذه الزيادة سترفع من نسبة السعوديين في القطاع الخاص وتقلص الاستقدام أم لا؟ وأيضا أثر القرار وتداعياته على المنشآت الصغيرة الجادة والناشئة.
والواقع أن صندوق تنمية الموارد البشرية هو جهة حكومية بحتة لا يختلف في منشئه ومقصده وأهدافه عن بقية صناديق التمويل الحكومية، بما فيها الصندوق السعودي للتنمية الذي يتجه في مصروفاته إلى خارج المملكة، فقد أُنشئ صندوق الموارد البشرية بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (107) بتاريخ 29/ 4/ 1421، والمرسوم الملكي رقم (م/18) بتاريخ 5/5/ 1421، والهدف من إنشائه هو "دعم جهود تأهيل القوى العاملة الوطنية وتوظيفها في القطاع الخاص"، والملاحظ أن قرار إنشاء الصندوق اقترن بفرض "رسم سنوي مِقدارُه (100) مئة ريال عند إصدار أو تجديد إقامات العمالة الوافِدة، ورسم سنوي مِقدارُه (50) خمسون ريالا عند إصدار رُخص العمل أو تجديدِها للعمالة الوافِدة"، في حين تنص المادة الثالثة من النظام الأساسي للصندوق على أن مصادر تمويل الصندوق تشمل "الرسوم التي تقررها الدولة لصالح الصندوق، والإعانات التي تقدمها الدولة إضافة إلى المنح والعائد من استثمارات الصندوق"، وبالعودة الى قرار مجلس الوزراء الذي اتكأت عليه وزارة العمل في فرض الرسوم الجديدة، نجد أنه ينص في الفقرة "ثالثا" على أن: "تتولى اللجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى بمشاركة معالي وزير الشؤون الاجتماعية الإشراف على تطوير برنامج إعانة البحث عن عمل وتطبيقه، وغيره من البرامج المعنية بذلك، بما فيها برامج وآليات رفع تكلفة العمالة الوافدة، لتمكين المواطنين الباحثين عن العمل من الحصول على فرص عادلة للتوظيف، مع التأكيد على عدة نقاط منها كفاية وفعالية هذه البرامج وغيرها من البرامج الأخرى ذات العلاقة".
ومن الواضح أن القرار الوزاري ترك مهمة ومسؤولية تحديد برامج وآليات رفع تكلفة العمالة الوافدة للجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى، مع التأكيد على كفاية وفعالية أي برامج أو آليات يتم اتخاذها، والسؤال هو: ما موقف المجلس الاقتصادي الأعلى من هذا القرار؟ وهل قيمة ومقدار الرسوم الجديدة مُعتمَدة من اللجنة الدائمة لأعلى مجلس اقتصادي في البلد؟ وإلى أي مدى يتمتع القرار بالكفاية والفعالية؟ وهل أُخذ في الاعتبار التأثيرات الجانبية للقرار؟ والأهم من ذلك لماذا لم تفكر اللجنة – إذا كان القرار صادرا عنها - بأحد مصادر التمويل الرئيسة المنصوص عليها في النظام الأساسي للصندوق وأعني "الإعانات التي تقدمها الدولة للصندوق"؟ بحيث تسعى اللجنة ومن ورائها وزارة العمل إلى المطالبة بمخصصات مالية للصندوق ضمن الموازنة العامة للدولة أسوة ببقية صناديق التمويل الحكومية الأخرى التي استحوذت في ميزانية هذا العام على 86.1 مليار ريال.
ومن المتفق عليه أن مهام ومسؤوليات تأمين الموارد المالية لبرامج التدريب والتوظيف تقع على عاتق الدولة، وليس على القطاع الخاص، فتنمية الموارد البشرية هي ركيزة من ركائز برامج وخطط التنمية الاقتصادية وغاياتها، والدولة لم تتوان في دعم قطاع التعليم والتدريب بل إن برامج التعليم والتدريب حظيت في موازنة العام الحالي بنسبة بلغت 24% من إجمالي الميزانية، وهي نسبة مرتفعة وعالية، مما يؤكد أن المشكلة ليست في توفير الدعم والتمويل الحكومي لبرامج تنمية الموارد البشرية، وإنما الخلل في الأجهزة التنفيذية التي تُدير ملف البطالة وسوق العمل المحلي.
إن المملكة التي تجاوزت مصروفات موازنتها المالية لهذا العام 690 مليار ريال ليست عاجزة عن تخصيص مبالغ كافية لمواجهة الإجراءات والبرامج المعنية بالتوظيف وتنمية الموارد البشرية ومكافحة البطالة، خاصة وأنها تتعلق بقضية تمثل واحدة من أكبر التحديات التي تواجهها المملكة في الوقت الحاضر، وإذا كانت الجهات التنفيذية تقصُر عن إدراك أهمية دعم هذه البرامج من الموازنة العامة للدولة، وتمضي في برامج واتجاهات أخرى مغايرة، فهذا موضوع آخر يحتاج إلى مراجعة كاملة للخطط والبرامج التي تنظم قطاع الموارد البشرية بأكمله.
إن المناكفات اللفظية الصادرة عن مسؤولي وزارة العمل، والتي تحمل في طياتها نبرة التحدي والإصرار والمضي في تطبيق القرار، لا تخدم الوطن والصالح العام، وإنما تزيد من درجة الاحتقان والتذمر تجاه عدد من قرارات وبرامج القطاعات الحكومية، وبما أن المجلس الاقتصادي الأعلى طرف في موضوع هذا القرار، فإن الواجب عليه التدخل وإعادة دراسة القرار؛ وصولا إلى صيغة تحقق الصالح العام للوطن وأبنائه.. حفظ الله الوطن من أي مكروه.