يستحق أيتام جازان المحاكمة؛ لأنهم يشكون من أن وجبة "الأندومي" لا تسد جوعهم في ليل طويل، يستحقون المحاكمة؛ لأنهم لا يقبلون اتقاء زمهرير برد الشتاء بأكياس البلاستيك، يستحقون المحاكمة؛ لأنهم يطالبون بوجود مغسلة في داخل الدار تمكنهم من غسل ملابسهم يوميا، يستحقون المحاكمة؛ لأنهم يطالبون بوسائل ترفيه داخل الدار، بل يستحقون أقصى العقوبات؛ لأنهم شكوا أوضاعهم لإمارة المنطقة، وعرضوا مشاكلهم للرأي العام عبر الصحف، يستحقون المحاكمة؛ لأنهم رفضوا دخول العمال إلى غرفهم لاستبدال الكراسي ذات "قوائم بلك البناء" بعد أن نشرت "الوطن" تحقيقها السبت الماضي، وقبل زيارة وكيل الإمارة لهم!.

أما وزارة الشؤون الاجتماعية، فلا ترى داعيا للاحتجاج على وجبة "الأندومي"؛ لأن الجهة المختصة بالوزارة وضعت مواصفات الوجبات القياسية والصحية "الأوفر"، بغض النظر إن كانت تشبعهم، كما أن الوزارة بريئة من كل الصور التى نشرت في تحقيق الصحيفة، فالأيتام في دار الرعاية الاجتماعية في جازان هم من قاموا بإتلاف الأثاث الذي ظهر في الصور، ومكافآتهم الشهرية تصلهم باستمرار، وما يزيد عن حاجتهم تضعه الوزارة في حساب الاستثمار الخاص بكل يتيم.

الوزارة ليست مسؤولة عن الأخطاء التى تحدث في دور الرعاية ومراكز التأهيل الشامل؛ لأنها مشغولة بوضع الخطط الإستراتيجية والاهتمام بالسياسات العليا، والوزارة تؤكد ـ كعادتها كلما حدثت مشكلة ـ أن مسؤوليها المشرفين على دار الرعاية الاجتماعية في جازان يقومون بعملهم على أكمل وجه، وأن الدار مجهزة بكل ما يحتاجه اليتيم، والصور وأقوال النزلاء لا تعكس الواقع في الدار، وإنما تهويل وتضخيم من الإعلام المتربص. أما دورات المياه والحمامات فمهيأة كما يجب، ومزودة بكل الاحتياجات من فئة خمسة نجوم، وبالنسبة لصور الأسرة المكسرة المثبتة بـ"بلك البناء"، فإن النزلاء هم من أتلفوها، أي أنهم متواطئون مع الإعلام ضد الوزارة.

كثرت الأخطاء والملاحظات على وزارة الشؤون الاجتماعية والقائمين عليها، والذين يكررون أخطاءهم في حق المعاقين والأيتام وكبار السن، دون مبالاة، وخصوصا في الدور والمراكز الاجتماعية التابعة لها، إذ شهد مركز التأهيل الشامل في المدينة المنورة عددا من الوفيات، وكان أكثرها ألما حادثة العثور على جثة أحد المعاقين من نزلاء المركز في أحد شوارع المدينة، بعد تمكنه من الخروج من المركز عبر البوابة الخلفية، دون رقيب أو حسيب، كما شهد المركز نفسه عددا من الوفيات في القسمين الرجالي والنسائي، وما تزال صدى مقطع الفيديو الذي أظهر اعتداء عامل في مركز التأهيل الشامل في عفيف على كفيف وإسقاطه من الدرج، وكذلك المقطع الذي يظهر تعرض أحد الأطفال للتعذيب في المركز نفسه يشغل الرأي العام، ويجعل أهالي المعاقين في خوف دائم، كما أن العيوب التى ظهرت في المبنى الجديد للتأهيل الاجتماعي الشامل في تبوك، الذي كلف أكثر من 54 مليون ريال، وتم على إثره نقل النزلاء إلى مركز المدينة المنورة عن طريق النقل الجماعي، ما تسبب في وفاة بعضهم وسوء حالة آخرين، بسبب طريقة النقل، فضحَ قدرات الوزارة الرقابية، وكذلك الأخطاء التى صاحبت تقدم عدد من المواطنين والمواطنات لبرنامج حافز طلبا في المعونة المقطوعة، حيث فوجئوا برفض نظام حافز لطلبهم بسبب تقاضيهم معونات إعاقة من إدارة التأهيل بوزارة الشؤون الاجتماعية، في حين أنهم لا يتقاضون منها شيئا، وهو ما يكشف خللا في الأنظمة الإلكترونية للوزارة.

رغم كل ما سبق، فإن الوزارة لا تعترف بأخطائها، وتوجد في كل مرة المبررات التى تبعد عنها التقصير. وأعتقد أنه بعد هذا لا يسعنا إلا أن نشكر القائمين على الوزارة، ونؤكد أنهم يقومون بواجبهم على أكمل وجه، وما زيارات مسؤوليها "الكبار" المفاجئة والدورية بعيدا عن الفلاشات للدور والمراكز التابعة لهم إلا انعكاس لمدى اهتمام الوزارة بتلك الدور والنزلاء، خصوصا أن الواقع يؤكد أنهم يعيشون في نعيم ورفاهية، يحسدهم عليها من هم خارج تلك الدور، ولذلك يسعى الجميع للحصول على فرصة للإقامة فيها، خصوصا أن الوزارة تقف على أوضاعهم فردا فردا، وتلبي احتاجاتهم مهما عظمت.

وعليه أعود فأقول: إن الأيتام هم من يستحقون المحاكمة على سوء تعاملهم، ونكراهم لجميل الوزارة عليهم.