تدخل المرشد الأعلى للثورة في إيران، آية الله علي خامنئي، مؤخرا في الصراع على السلطة بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس البرلمان علي لاريجاني، وحذر من أن الصراع الداخلي هو "ما يسعى إليه العدو".

المرشد الأعلى يمتلك القرار النهائي في جميع أمور الدولة، ويقوم أحيانا بدور الوساطة والمصالحة بين بعض الجهات، وقد حث البرلمان منذ أيام ألا يستدعي الرئيس الإيراني لمساءلته حول الأزمة الاقتصادية. كانت تلك محاولة واضحة لتخفيف الاقتتال السياسي الداخلي فيما تكافح إيران ضد العقوبات الدولية بسبب برنامجها النووي.

البرلمان الإيراني كان قد استدعى هذا الشهر الرئيس للمرة الثانية هذا العام بعد هبوط قيمة الريال الإيراني بمعدل 40% بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية على التعاملات المصرفية والنفط الإيراني. البرلمان أراد أن يحقق مع أحمدي نجاد في سبب التأخر في الحد من تذبذب قيمة العملة الإيرانية في سبتمبر وأكتوبر، كما تم اتهام الرئيس أيضا بالسماح باستيراد السيارات الفاخرة وتجاهل إنتاج القمح المحلي.

عندما رفع مجموعة من أعضاء البرلمان المؤيدين لأحمدي نجاد أصواتهم في وجه رئيس البرلمان علي لاريجاني وقالوا إن المرشد الأعلى لن يسمح بهذا الاستدعاء، رد عليهم لاريجاني: "لم نستلم أي رسالة من المرشد الأعلى لوقف الاستدعاء".

لاريجاني وأنصاره في البرلمان، وهم يشكلون ثلثي البرلمان تقريبا، اعتقدوا أن المرشد الأعلى سيوافق على استدعائهم للرئيس. لكن خامنئي قال في اجتماع عام إن "الطرفين قد يكونان منزعجين.. لكن جميع المسؤولين يجب أن يكونوا هادئين... والشعب أيضا يطالب بالهدوء، إنهاء هذه القضية يبين أن كلا من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية تحترمان الوحدة والاستقرار". بناء على ذلك، أصدر البرلمان الذي يبلغ أعضاؤه 290 بيانا قال فيه إنه يقبل أوامر المرشد الأعلى.

الصراع على السلطة بين خصوم الرئيس أحمدي نجاد وأنصاره تمهد للانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو القادم، وحضور الرئيس الإيراني إلى البرلمان كان يمكن أن يمهد لمحاولة عزله. الدكتور أحمدي نجاد ممنوع بحسب الدستور الإيراني من ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة لكن المراقبين السياسيين يعتقدون أنه يسعى لترشيح أحد حلفائه في محاولة للحفاظ على نفوذه، وأن المرشد الأعلى للثورة يحاول منع نجاد اختيار خليفته. لكن يبدو أن خامنئي يسعى فقط إلى الحفاظ على الاستقرار.

إلغاء الاستدعاء كان نصرا لأحمدي نجاد ومؤيديه، كانت هناك إشاعات منذ فترة لا بأس بها بأن الرئيس الإيراني فقد دعم وثقة المرشد الأعلى، لأن نجاد تحدى سلطته وأحرج النظام لينقذ نفسه وينقذ مؤيديه.

علي لاريجاني كتب رسالة فيها الكثير من التذلل ونشرها على الموقع الإلكتروني لمجلس الشعب. عندما طلب خامنئي من البرلمان أن يلغي استجواب الرئيس، نشر لاريجاني رسالة مفتوحة مليئة بالتملق لخامنئي على الموقع الرسمي للبرلمان عبر فيها عن طاعته لأوامر المرشد الأعلى. لكن كثيرا من الإيرانيين تضايقوا من الطريقة التي تذلل بها رئيس البرلمان الذي يفترض أنه يمثل الشعب، وأثر ذلك كثيرا على احترام وشعبية الشعب لعلي لاريجاني.

إيران تتجه نحو أزمة سياسية كبيرة. العقوبات والعزلة الدولية من ناحية، وحكومة وبرلمان لا يتعاونان معا من ناحية أخرى، وكل ذلك يسبب مشاكل للبلد والشعب كله. ربما تدخل المرشد الأعلى هذه المرة بقوة ولم يسمح للبرلمان والرئيس بإظهار الجانب الأسوأ للشعب، لكن لا تزال هناك الكثير من فرص المواجهة قبل الانتخابات الرئاسية، التي سيتنافس فيها المتشددون الموالون لخامنئي مع المحافظين للرئيس أحمدي نجاد. الإصلاحيون الذين يمثلهم أشخاص مثل الرئيس السابق محمد خاتمي لا يبدو أنه سيكون لهم مرشح رئيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة. بالنسبة لأنصار خامنئي، يعتبر أحمدي نجاد تهديدا لشرعية وجودهم في المشهد السياسي. مخاوفهم تنبع من كونهم يجهلون ما يخبئه أحمدي نجاد وأنصاره لهم على المدى البعيد، بالطبع لن يقبل رجال الدين في إيران بالتخلي عن نفوذهم السياسي والعودة للتقوقع في حلقات الدين في قم. الثورة وقيادة آية الله الخميني منحتهم فرصة كبيرة ونفوذا هائلا لن يتخلوا عنه بسهولة مهما كانت التحديات التي قد يواجهونها. أي تغيير في الدستور يلغي أو يحد من دور المرشد الأعلى يعني عودة الملالي إلى دورهم الديني السابق في قم، لذلك فلا عجب أنهم مستعدون للقتال حتى الموت لمنع ذلك من الحدوث. أحمدي نجاد وفريقه يجعلون الملالي يخيفونهم لأنهم يعتقدون أنهم سيسعون إلى سحب السلطة والنفوذ من بين أيديهم.

لقد قلت إن إيران ربما تتوجه نحو أزمة كبيرة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة.. علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان ذلك سيحدث.