أخيراً حطت مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والحضارات التي انطلقت من مكة المكرمة في 2008، وطافت على عدد من المدن والعواصم العالمية، قبل أن تنال تأييد ودعم الجمعية العامة للأمم المتحدة، رحالها في العاصمة النمساوية فيينا التي شهدت افتتاح مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات قبل يومين، بحضور عدد من ممثلي الهيئات والمنظمات الدولية وهيئات الحوار الديني والثقافي وشخصيات دينية واجتماعية. وحقاً كان كرنفالاً مختلفاً عن كل المناسبات الأخرى التي شهدتها، فالحضور يمثلون مختلف الثقافات والأديان والحضارات حول العالم، والتواصل والحوار كان حاضراً بينهم في القاعات التي شهدت ورش العمل، وبين ردهات وجنبات المركز والفنادق.
دعوة خادم الحرمين إلى ضرورة الحوار بين أتباع الأديان ألقت بحجر كبير في ركود بركة الحوار الحضاري بين الأديان والثقافات، خصوصاً أن الدعوة تبعتها خطوات عملية نشطة، تمخض عنها إنشاء مركز للحوار العالمي، يوفر قنوات آمنة للوصول إلى حلول لمشكلات العالم، ويسعى إلى نشر قيم التسامح والمحبة والأمن والسلام والتعايش، من خلال ثلاثة محاور، تتضمن احترام الاختلاف عبر الحوار، وتأسيس قواسم مشتركة بين مختلف الجماعات، وتحقيق المشاركة الدينية والحضارية والمدنية بين القيادات الدينية والسياسية، مما يؤكد أن المسلمين قادرون على إدارة حوار مع الحضارات المختلفة، ليس قولاً فقط، وإنما فعل وممارسة، عبر تكوين الهيئات والمنظمات والمراكز العالمية المخصصة لذلك، وقادرون على تقديم أفكار ومقترحات للتعايش السلمي بين الثقافات والحضارات المختلفة، بعيدا عن التطرف والتخندق حول أفكار ومفاهيم معينة ترفض الآخر وتصارعه، وإنما بعقد شراكات وحوارات حقيقية معه، تحث على احترام الآخر أيا كانت ديانته.
حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدائم على سعادة الإنسان في كل المجتمعات، ومساهمته الفاعلة عبر عدد من المبادرات والمواقف على حل الأزمات، واهتمامه الفاعل بالقضايا الإنسانية بين مختلف الفئات، جعل منه قائداً محبوباً بين الشعوب كافة، فوجدت مبادراته ودعواته الاهتمام والدعم من المجتمعات والهيئات الدولية، وتحولت مبادراته وأفكاره خلال فترة وجيزة إلى واقع ملموس من خلال مراكز عالمية ومنارات يستدل بها في دروب الحوار؛ تنشر ثقافة التواصل بين الشعوب وأتباع الأديان، وتعزز القواسم المشتركة، وتوحد مواقف الشعوب في التصدي للقضايا التي من شأنها الإضرار بالبشرية.
وأخيرا، فإن الأمل يملؤنا بفضل ما لمسناه من جهود القائمين على المركز وأهدافه السامية، بأن يحقق التلاقي والتعاون والمحبة بين الأديان، ويلجم الصراعات والأفكار التي تدعو إلى صدام الحضارات، ويعزز المبادرات والأفكار الداعية لنشر ثقافة الحوار، وإزالة أسباب الصراع والخلاف بين أتباع الأديان، فقد جمع المركز في حفل تدشينه أشخاصا لم تكن لتتوفر لهم الفرصة للاجتماع والالتقاء لولا وجود هذا المركز القائم على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الرامية لبناء عالم أكثر تجانساً وتواصلاً.