إنسان كبير الروح، واسع القلب والوجع.. يحب أكثر مما يتكلم، المحبة عنده علة أولى للوجود والبقاء. كتب عددا من المؤلفات شعراً ونقداً، لكن مجموعته الشعرية "أخف من الريش أعمق من الألم" كانت شيئاً فاتناً وشبيهاً بنبال الحياة وجراحاتها. هو محمد الحرز، الجميل الذي لم أسمع منه منذ عرفته ولو كلمةً واحدة يقع بها في الآخرين. بل كان على الدوام مأخوذاً بالتفاصيل الحلوة والبعيدة عن الضوضاء والضجيج. محمد الحرز ابن الأحساء الصادق، لا الأوصاف تساويه، لكن النخيل والمياه والأماكن البعيدة تعرف أي نفسٍ كبيرة في داخله.

http://www.youtube.com/watch?v=hJq-pu-8ELo

يقول الحرز: “لا الصور الكثيفة التي تخرج من آلاف الحكايات باعتبارها حياة أخرى قادرة على إزاحة العاصفة التي في رأسي عن طريقها، ولا الدليل بإمكانه أن يصطادها في قفص مثل عصفور ثم يقول لك: هذا هو العاشق الذي من شأنه أن يحول الكلمات إلى ذهب يلمع بريقه في أيديكم، ولا يغشى أبصاركم. لكنها البشارة أيها القوم، فلا تتعجلوا بالمسير جهة المدينة، أنتم الواقفون على سورها المتهالك منذ ما يقارب أحد عشر ضوءا سقطت قرب بيوتكم، لا السماء أخبرتكم، ولا المناجاة هيأت الثياب كي تتلقفوا ذكرياتها قبل أن يختلط نورها بالتراب. كنتم واجمين من فرط الدهشة كأن طائركم الصغير الذي أطلقتموه في الأفق عاد إليكم بسرب من الملائكة، ولا أحد منكم تنبأ بذلك قبل الفجيعة. عرفتم الكثير من العابرين، لكنكم لم تلتفتوا إليهم، ولم تمدوا أيديكم للمصافحة على الأقل. كنتم لهم أشبه بالتحف الثمينة التي لا تزين صالات منازلهم وممراته فقط، وإنما كذلك غرف أوهامهم التي شيدوها في بيوت الكهنة والصوامع. تماثيل العالم لا تضاهيكم مكانة، ولا صانعوها. لذلك تأملوا أنفسكم جيدا. ووسعوا من الصدع الذي تركته الريح على أكتافكم، ثم قولوا للمتفرجين: عليكم أن تضعوا غصن حياتكم في أيدينا، لأن الشجرة سوف تعود والقناديل خلفها تتقافز مثل جرو صغير. لا تتركوا المطر يغسل عريكم لأن الغبار العالق هو تاريخكم الذي نجا من المعركة قبل أن تبدأ. ليست الوصايا التي انبعثت من قبور الموتى هي من تسند ظهوركم في هذه اللحظة، ولا أنا من تثقون به كي يعبر بكم الزجاج الصقيل دون أن تصابوا بخدوش أو جروح. أنا الذي ترج رأسه العاصفة لم أمرض، ولم أقع على صخرة كي ينبت العشب في تجاويفها. كنت أسير معكم في النفق ذاته الذي حاكه الخياط لنا في منعطفات العمر وتقلبات المناخ. لكنني فجأة تهت عن الركب، وكان عليّ أن أصعد تلة عالية وأجمع الحطب من حولي، وأغري النار بالمجيء، لكنها لا تأتي.