لم تأت قصة أيتام جازان مفاجأة على العديد من المواطنين، فقد سبقتها أخت كبرى لها قبل عام في مركز تأهيل عفيف، والتي تجاوبت معها آنذاك وزارة الشؤون الاجتماعية بعد ثلاثة أشهر من الحادثة، واعدة بتقرير لم ير النور حتى الآن.
قصة أيتام جازان لم تحرك فينا شيئا، فقد أصبحت ديدن الوزارة وطبعها، ومن تأثر من المواطنين فقد تأثر لاستمرارية الوزارة حتى الآن بهذا الأداء المعيب، فحادثة تتلو الأخرى ولا حراك يذكر.
أيتام جازان هم عورتنا المكشوفة، والتي أوكلنا كمواطنين وزارة الشؤون الاجتماعية لسترها والحفاظ عليها، ومع ذلك فلا هي أوفت بأمانة سترها، ولا هي التي أقرت بعدم قدرتها على ذلك ليقوم أحد غيرها بها. وزارة الشؤون الاجتماعية لم تكتف بكشف عورتنا في إهمال الأيتام والمعنفين والفقراء، بل قامت بكشف عورات الجمعيات الخيرية المرتبطة بها تنظيميا وماليا، لنقف مجددا ونسأل: أين أموال تبرعاتنا وزكواتنا وعائدات الحملات الخيرية الباذخة؟ أيتام جازان ليسوا الشعرة التي قصمت ظهر بعير الوزارة، فقد مات هذا البعير منذ أمد طويل، ولا أدري ما نحن منتظرون لدفنه؟!.
أداء وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية المرتبطة بها مثير للريبة، وصمت هيئة مكافحة الفساد والادعاء العام عنها يزيد من هذه التساؤلات، فلا تصحقيقات تذكر ولا قوائم مالية تعلن ولا... لنقف مجددا ونسأل: أين تقارير التحقيقات لدار أيتام جازان ودار أيتام الرياض ودار أيتام مكة وغيرها ممن أكمل بعضها أعواما؟.
هذه الأسئلة لم ولن تجد إجابة ولن تجد تفاعلا، لأن المعنيين هم مجرد أيتام لا وليّ لهم لينافح عن حقوقهم في قاعات القضاء، ولا ظهر لهم ليقتص لحقوقهم ممن أهمل الأمانة من مسؤولين في الوزارة، وليأخذ بحقنا ممن أوكلنا لهم المستضعفين منا، فخانوهم وخانوا ثقتنا بهم مرارا وتكرارا.
عادت دار أيتام جازان للضوء مرة أخرى، فقد تصدرت صفحات الصحف قبل خمسة أشهر وكانت حينها اليتيمات وشكواهن بأن احتياجاتهن الأساسية تتأخر؛ لأن بند الدار لا يسمح، وطالبت حينها في مقال سابق، أن تصدر الشؤون الاجتماعية تقريرا ماليا مفصلا للرأي العام يفند هذه الادعاءات طالما أن الأعمال المحاسبية تتم تحت إشراف مكتب قانوني، ولم يصدر منها أي تقرير حتى الآن، إما لعجزها عن إصداره؛ لأنه سيحرج الجمعيات الخيرية المرتبطة بالدار، أو لأنها لا تهتم للرأي العام كعدم اهتمامها بأيتام الدار.
ترهل أداء الشؤون الاجتماعية يحرج العديد من القطاعات كالابن الأرعن، الذي يحرج العائلة بأكملها، ففي كل مرة يتسارع جميع أفرادها لتقليل الأضرار الناتجة عن تصرفاته، فها هي مجددا تحرج إمارة جازان التي تهرع في كل مرة تتخبط بها الوزارة. هذا التفاعل السريع من الإمارة محمود، ولعله يتجاوز التحقيقات للرفع بأداء الوزارة، حيث إن إمارات المناطق هي إحدى أهم القنوات التي تستخدم لإيصال صوت المواطنين عن الخدمات الوزارية.
الشؤون الاجتماعية ليست كغيرها من الوزارات، ومع أنها طالما صنفت كوزارة خدمية إنما هي حقيقة وزارة قيادية، فالأمم تقود بجودة خدماتها لمستضعفيها، والنفح عن حقوقهم، وإيجاد أنظمة تضمن لهم حياة كريمة كمواطنين كاملي الأهلية، يتمهم لا ينقص منهم شيئا. الأمم تقود بشفافية تعاملاتها مع مستضعفيها، وتجعل أموالهم خطا أحمر تشارك به المجتمع وأفراده لتطمئنهم أنهم لا يقومون بتمويل أغطية بلاستيكية يلتحفها يتيم، وإنما بطانية مشابهة لأخيه المواطن في ذلك السرير الوثير. الأمم تقود بالضرب بيد من حديد على مستغلي حاجة المستضعفين من صغار الموظفين لكبار الجمعيات الخيرية. الأمم تقود عندما تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بحفظ ماء وجهنا جميعا وفعل ما يجب فعله.
تفسخت جثة الشؤون الاجتماعية، ولذا "فإن إكرام الميت دفنه"، فقد آذتنا رائحته وتحلل جسده وأصابنا منه ما أصابنا؛ لطول انتظارنا واعتقادنا أن الحياة ستدب فيه من جديد.