ما هو الحب؟ دعكَكِ من هذا السؤال.. نحن الشعب الوحيد في العالم الذي يربط هذه المفردة بالعذاب والألم والهجر والسهد والأرق والخيانة وخراب البيوت وضياع المستقبل والجنون و.. بالمناسبة عمنا "طه حسين" ينكر وجود شخص اسمه الزميل/ "قيس" مجنون الزميلة/ "ليلى"، ويؤمن بما رواه "أبو الفرج الأصفهاني" ـ لا هو زميلي ولا أعرفه لأنه أقصى الزميل/ "أبا الطيب الكذاذيبي" ـ في "ألبومه" بأن في "بني عامر" وحدها ثلاثة وعشرين "قيساً" كلهم يعرف بـ"مجنون ليلى"! ما يعني أن الشعب الذي اخترع هذه "الهلوسة" كله مجنون ابن ستمئة مجنونة! لكن "طه" نفسه مجنون "سوزان"! ويعرفها بقوله: "هي نور بعد ظلام.. وأنس بعد وحشة.. ونعمة بعد بؤس"!!
كانت زميلته في الجامعة الفرنسية، بنت قس "كاثوليكي" وعمها "أقسس" منه، ومع ذلك قال لها وقد عزمت "طه" على عشاء عائلي: إنه زوجك يا ابنتي!
زواج؟ نعم.. قلنا دعكِكَ من الحب وشعوذة العربان.. أنت في بلد النور فرنسا.. فما الذي يغري فتاة في مقتبل العمر بالاقتران الكاثوليكي "المؤبد" بمسلم صعيدي يحفظ القرآن، فقير، عصبي، عنيد، وقد شغلته غريزة التفكير أعلاه عن غريزة حفظ النسل أسفله؛ فهو يمضي (18) ساعة في القراءة والبحث ناسياً متى أكل آخر مرة؟ ولولا أن سلطان النوم يقهره أربع ساعات فقط لما عرف له طعماً! وفوق هذا كله هو معاق "مستطيع بغيره" ـ كما يقول مثله الأعلى "أبو العلاء المعري"ـ ما يعني أن تكون له أولاً خادمة وممرضة، وخبيرة نفسية، وواحة يهرب إليها من لهيب الصحراء القاحلة من حوله، وحضناً رؤوماً يضمد فيه جراحه من هذه السهام التي تنهال عليه مع كل فكرة يعلنها حتى تكسرت النصال على النصال!
أي فتاة وأي حب وأي زواج وأي حياة هذه التي تتحمل فيها المرأة أعباء الزوجة والمربية والأم لرجل صعب المراس، حاد المزاج، "ساخط مسخط" ـ كما يصف نفسه ـ دون أن تنتظر منه ما تنتظره أي امرأة طبيعية، ودون أن يقدم لها وعداً بحياة عادية، بل كان يكرر على مسمعها في فترة الخطوبة والعسل: "نحن لا نعيش لنكون سعداء"، وكأنه يحذرها من هول (58) عاماً عاشتها معه (1917ـ 1973) لا يستريح من معركة إلا ليبدأ معركة أشرس، دون أن تتذمر حتى بينها وبين نفسها؛ لأنه كان يسكن ضميرها نبضة بنبضة؛ فلما شعر بالإحباط وطلب منها أن تأخذ ولديهما (أمينة ومؤنس) إلى فرنسا وتتركه لحاجته الشديدة للعزلة، لم يتحمل أسبوعاً كاملاً ولحق بها قائلاً: "حتى العذاب لم يعد له طعم بعيداً عنك"!
ليس الحب ولا الزواج.. إنه الإيمان العميق الراسخ برسالة المبدع، لا تزيده الأيام إلا قلقاً بركانياً يذيب كل الجبال في طريقه!
كم كان القدر كريماً إذ من بالسيدة العظيمة/ "سوزان" ليس على "طه حسين"؛ بل على الأمة العربية كلها!