كثر الحديث خلال الأيام الماضية حول الآثار المترتبة على الزيادة في الرسوم العمالية وردود الفعل المعارضة وخصوصاً من قبل مجتمع رجال/ سيدات الأعمال، فهل القرار سليم؟ وهل سوف يساهم هذا القرار في حل مشكلة البطالة؟ وغيرهما الكثير من الأسئلة المحيرة والباحثة عن إجابات عقلانية وغير عاطفية.

في علم وفن التعامل مع المشكلات أياً كان نوعها وحجمها، تلعب المعلومات الدور الرئيس، ليس فقط في وضع وتنفيذ الحلول، ولكن وهو الأهم والأكثر خطورة، في المرحلة الأولى من التعامل مع المشكلة ينبغي العمل على توثيق وتحديد الوضع الحالي (الحقيقي)، مما يعني استخدام المعلومات الوصفية الدقيقة والآنية أو الفورية لوصف الوضع الحالي. فعلى سبيل المثال، حتى نتمكن من التنفيذ والتفعيل والرقابة على وضع الحلول الاستراتيجية لمشكلة البطالة في المملكة، ينبغي أولاً وثانياً وثالثا، تحديد نسب البطالة بشكل دقيق، أعداد العمالة الأجانب، أعداد العمالة الأجانب العاملين في المنازل، أعداد العمالة الأجانب العاملين في المصانع والشركات والمؤسسات، وأعداد ما يسمى تجاوزاً المستثمرين الأجانب ونوعية استثماراتهم، أعداد الطلبة والطالبات خريجي الجامعات والكليات والمؤسسات التعليمية (الداخلين لسوق العمل الحاليين والمتوقعين).

وتحديد المعلومات عن نسب وأعداد العاطلين ونسب وأعداد العمالة الأجنبية بحد ذاته لا يمثل الحل وإنما يمثل الخطوة الأولى في منظومة الحل الشامل، حيث يتبعها ضرورة العمل على تحديث هذه البيانات بشكل دقيق ومن مصادرها. وهنا في رأينا تكمن المشكلة الأولى في طريقة وصعوبة التعامل مع مشكلة البطالة في المملكة.

وقبل أن نتحدث عن أسباب عدم دقة وصحة معلومات البطالة، ينبغي أن نشدد ونذكر بماهية ودور المعلومات، والتي يمكن أن تختصرها فيما يلي:

1. عندما يتم الاعتماد على معلومات ناقصة، فإن القرار حتما سوف يكون خاطئاً.

2. عندما يتم الاعتماد على معلومات غير دقيقة، فإن القرار حتما سوف يكون خاطئاً.

لذلك كان من الأهمية بمكان عدم التسرع والاستمرار في طرح مشاريع التوظيف ومحاربة البطالة في ظل غياب المعلومة الأكيدة أولاً، ناهيك عن عوامل أخرى مؤثرة مثل الرقابة والمحاسبة ومحاربة الفساد.

وحتى نبين خطورة تأثير غياب المعلومة والتسرع في طرح المشاريع، يمكن النظر إلى مشاريع التوطين والتوظيف ومحاربة البطالة، ومنها على سبيل المثال قرار السعودة الشهير رقم (50) الذي تم إصداره وتبنيه من مجلس الوزراء في عام 1415، أي منذ (20) سنة تقريباً. وما يميز هذا القرار أنه تعامل مع مشكلة البطالة من خلال بيانات، بيانات واقعية وليست خيالية، بيانات تمثل الوضع الحالي والوضع التدريجي والوضع المستقبلي، حيث أشار القرار إلى ضرورة بداية السعودة بما نسبته (20%)، مع زيادة نسبة السعودة سنوياً بما نسبته (5%)، وهذا كان في عام 1415، فماذا حدث خلال العشرين سنة الماضية؟ وماذا حدث بعد عشرين سنة من اتخاذ قرار استراتيجي، قرار وطني ومستقبلي يتعامل مع مشكلة البطالة بواقعية وبالأرقام؟

نعم حدث شيء، بل وحدثت أشياء! فلا نسب البطالة انخفضت، ولا أعداد العمالة الأجنبية انخفضت، بل إنها كلها تزايدت وبشكل مفرط وغير مقنن، مما يزيد من حجم وتعقيد المشكلة. ومن الواضح، بل ومن المؤكد أن المبادرات المستمرة مثل "نطاقات" وغيرها لم تؤد الغرض منها، فها هي الدورة الأولى من "حافز" تنتهي، وطلبات الاستمرار والانضمام في "حافز" ما زالت مستمرة.

إلى جانب مشكلة المعلومة وغيابها، هناك عوامل وجهات أخرى ينبغي أخذها في الاعتبار، ومن أهمها:

1. لا يمكن لوزارة العمل وحدها التعامل مع إدارة مشكلة البطالة. وحسب الوضع الحالي، لا يظهر على السطح إلا وزارة العمل ومعها صندوق تنمية الموارد البشرية، فهل هذا طبيعي ومقبول؟ وهل هذا من شأنه حل المشكلة؟

2. تم تخصيص عشرات المليارات ما بين ميزانيات خصصت للتدريب وغيرها، وهي مبالغ تمثل خسارة في ظل عدم تحقق النتائج المرجوة.

3. ينبغي التركيز على مركز المعلومات الوطني التابع لوزارة الداخلية، فهو المصدر الوحيد الذي يوفر معلومات دقيقة وصحيحة، ومن أهمها أعداد المواطنين وجنسهم، وأعمارهم، إلى جانب أعداد العمالة الأجنبية وجنسهم وجنسياتهم وأعمارهم. كما يوفر النظام وبسهولة أعداد العمالة الداخلة إلى، والخارجة من السعودية في أي وقت.

وزارة الداخلية ينبغي أن تلعب دوراً قيادياً ومحورياً في عملية محاربة البطالة، وهذا مبرر وطبيعي، حيث إن البطالة تمثل هاجساً أمنياً قبل أن يكون اقتصادياً أو اجتماعياً ونفسياً. في فترات سابقة، كان هناك مجلس القوى العاملة وبقيادة مباشرة من ولي العهد سمو الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، واليوم ومع تعاقب وتوالي قيادات الدولة وتلاحم القيادة والوطن مع أبناء وبنات المملكة، قد يكون من المناسب إعادة إحياء مجلس القوى العاملة، ولكن بمسمى وبمهمات مختلفة وتحت قيادة وإدارة سمو وزير الداخلية الأمير الشاب محمد بن نايف بن عبدالعزيز، حفظه الله. وفي هذا السياق يمكن إنشاء هيئة عليا أو مجلس أعلى للموارد البشرية يعنى بتخطيط وإدارة الموارد البشرية في القطاعين العام والخاص، على أن يعتمد المركز فقط وفقط على بيانات مركز المعلومات الوطني.